بلقيس وسوق الشيوخ Print

بلقيس وسوق الشيوخ
 
أبو مسلم الحيدر

صورته في الذاكرة..بعقاله وإنتصاب قامته الفارعة ...في دكانه الصغير أو في المجالس والدواويين التي كان لولبها... إنه الملا حميد السنيد...أذكره في "ديوان" أبي حيث كل ثلاثاء أعد القهوة العربية..وبعد إنتهاء مجلس الحسين عليه السلام...يبدأ مجلس آخر للشعر والأدب والسياسة والأخلاق...أذكر تلك المجالس...أكثر من واحد في كل يوم... التي كانت مدارس بحق... يابلقيس ...أقرأ لك كل ما تكتبين لأني أستنشق بين كلماتك عبر هذه الآلة العجيبة (الكمبيوتر) عبير سوق الشيوخ...وأرى بين الحروف التي ترسمينها وجوهاً صنعت سوق الشيوخ... وأسمع ما بين الأسطر التي تخطينها مجالس الشعر والأدب والغناء (السوكَاوي)... وأعيش أمل العودة ...
أنت يابلقيس قد لا تعرفين ما جرى على مدينتك الحبيبة "بلدة الشعر والحب"، بلدتك قد عانت ما عانت... بلدتك الجميلة الوادعة المدرسة الديوان الأدب الفن العلوم الأخلاق قد غرزت الفاشية البعثية نيبان الحقد فيها وأفترستها وأباحتها وسلطت عليها أراذل قومها... بلدتك يابلقيس قد حطموها وهشموها بأقدامهم الهمجية... بلدتك يابلقيس قد أذاقوها الأمرين... فقتلوا حيدرالسنيدوخيرة شبابها ومحمد جواد السهر وخيرة أحرارها وجميل حيدر وخيرة أدبائها ومحمد حيدر وخيرة رجال الدين المنفتحين فيها... بلدتك يابلقيس أفرغوها من كل معالمها وأعلامها... بلدتك إغتالها الفاشيون أبناء البعث المجرم...فغادرها شبابها هربا من الطاغوت والأجرام منذ سنين ولحقهم الباقون هربا من جيوش الفاشية التي زحفت عليها في 1991 لتستبيحها كما باقي مدن ثورة التحدي الشعبانية في آذار.
في أيلول الماضي كنت هناك... مدينة الجمال والسكينة وجدتها مدينة أشباح... ليست كما كانت فالناس غير الناس والطباع غير الطباع والمضاهر غير المضاهر... وجدتها مدينة أخرى لاأعرفها ولا أعرف سكانها... وجدت إن الكتاب الذي كان في كل يد في سوق الشيوخ قد تم إستعاضته بالبندقية ...ووجدت شعر سوق الشيوخ الجميل الجزيل قد أستبدل بصوت الرصاص...ووجدت أمان الناس وإطمئنانهم قد أستبدل خوفا وفزعا وترقبا... وجدت فراتها الباسم وقد تحول الى نهر صغيربائس حزين ... نعم يابلقيس ... ستحتظنك بقايا سوق الشيوخ ... نعم بقايا سوق الشيوخ... وقد لاتجدين فيها من يكفكف دمع أحداقك بأرض أبيك. فعذرا يابلقيس...لقد أعددت نفسي لتلك اللقيا وذرفت "دمع أحداقي بأرض أبي" ... ولكن....لازال الدمع و......