البطل الجمالي والدلالات الرمزية في رواية الأوان Print
……. (البطل الجمالي والدلالات الرمزية في رواية الأوان للكاتبة العراقية بلقيس حميد حسن) علاء حمد  لا نستطيع أن نغيّب موضوع العتبات في الرواية الحديثة وخصوصا أن الكاتبة بلقيس حميد، التزمت المنظور الرمزي والذي كان مشبعا بالحركات الدلالية بداية من الأسماء التي رسمت معانيها، والتي اعتبرها العتبة الثانية بعد العنونة؛ فالرغبة التي نتلو بإيمانها هي العلاقة النصية بين منظورها الكتابي الداخلي، وصولا إلى الأبعاد النصية المتنوعة الأنساق، ورؤيتها الخارجية، وفي بداية كلّ عتبة نلاحظ أن التأويل الأيديولوجي لاحدود لأحكامه ومعاييره في النصّ الروائي، ومن خلال هذا المنظور يتقبل الباث الأول التأسيس، مثلما يتقبل القارئ ذلك، فالموجة الإضافية التي نعنيها، هي تلك الموجة من جانبين، الأولى عنصر التأسيس الكتابي، والثانية عنصر منظور القراءة، ونضيف إليهما القوة التأكيدية للمؤلف، فالقاعدة النصية تعتمد التركيب للمعاني المرافقة لكل مقطع من مقاطع الرواية (في حال التجزئة طبعا)؛ وباعتبار العتبة: مقاصد الكاتب من ناحية سياقها النصّي، أو الموازي الذي يقودنا إلى العناصر القصدية، وخصوصا أن الكاتبة لم تعتمد المنظور الواقعي المباشر في كتابتها لرواية (الأوان). العنونة : الأوان.. إذا افترضنا وحسب التحليل الموضوعي للرواية ومايناسب العنونة بأن المعنى (سابق لزمنه) فنكون هنا قد نزلنا إلى عبقرية المعاني المتاخمة للأسماء التي سنأتي على تفكيكها حسب الرؤية الحديثة، فالعنوان من كلمة واحدة وهي خارج الضجيج، وعندما تحمل المعنى المباشر (حان الوقت)؛ ومن هنا نكون مع المباشرة وهذا مانستبعده في الرواية، حيث أنّ المعنى لايحمل المباشرة وله علاقة مع جسد الرواية التي رسمتها الكاتبة العراقية بلقيس حميد. لذلك فالحدث المعنون يحمل رسالة من المعنى كمرسلة مبعوثة إلى مرسل إليه؛ وفي هذه الحالة يكون العنوان قد حمل بعض الشيء من الجسد المكتوب؛ والعنوان يشكل نصّا اعتباريا خارج الجمل النصية التي يعتمدها الكاتب؛ لذلك فهو يحمل قيمته من خلال موقعه المستقل، ويكون ذات دلالة حركية ونعني بالدلالة الحركية، تلك المتعلقة بالذات العاملة والتي لاتنفك إلا وتنزل مرسومة بعلاقات أولية مع الجسد النصّي. سنتجه نحو رواية الأوان بعدة عناوين وذلك لكي نستطيع الدخول من أبوابها الواسعة ونلتزم بما رسمته الكاتبة العراقية بلقيس حميد وهي تقودنا من حدث إلى آخر من خلال مارسمته من أسماء تفكيكية لها الصدارة في التحليل والمنظور الروائي السردي، فكلّ اسم لايتخلى عن الحدث الروائي وخصوصا أنها كتبت ملحوظة : شخصيات الرواية لاعلاقة لها بالواقع، وإن كان هناك أي تشابه باسم وحدث فهو صدفة.. انتهى سطرها الأول، فقد أرادت أن تخبرنا بأن العقلية الكتابية هي التي دفعتها نحو الكتابة، وليس التجربة الحياتية وما جابهته على أرض الواقع، أي أن الأحداث متواجدة ولكنها غير منقولة، فالتفكيك الجسدي الذي اعتمدته الكاتبة من خلال النسق التخييلي بعيدا عن الأشياء المنظورة أو الأشياء المرئية، ومن هنا نستطيع القول أن النسق السيميائي دخل في المنظور الجسدي للرواية. خطاب التنبيهاب للأسماء المنظور السردي.. النسق والمعنى المنظور التخييلي للأحداث (الفلاش باك) والحاضر الجمالية والحدث الآني من خلال هذه العناوين التي تقودنا إلى المنظور الجمالي والأبعاد الدلالية للرمزية نستطيع الدخول إلى رواية الأوان للكاتبة العراقية بلقيس حميد، حيث أن العلاقات التي تواجدت من خلال البعد النصي، هي العلاقات بين شخصيات الرواية وما تحمله من أسماء رمزت إلى حدث معين، وكذلك علاقة الدلالات الرمزية مع البعد الخيالي الذي وجده الفعل التخييلي التزاما من انطلاقتها الأولى وهي تقودنا إلى مجموعة من الشيفرات المتتالية وما على القارئ إلا تفيكيها والاندماج مع تلك الأحداث الداعية إلى الحزن تارة وإلى التأويل تارة أخرى، ولكن وفي نفس الوقت لاتبتعد الكاتبة عن الحالات الفجائية التي تواجهنا في روايتها، فقد كان التوجيه المفاجئ على علاقة مع الفهم العام، وعلى علاقة مع فهم الفهم. خطاب التنبيهاب للأسماء مبدأ الـ (أنا) العاملة: تبدأ الكاتبة بسرد حالتها بداية من مبدأ الـ (أنا)؛ فالنسق السردي الذي اعتمدتها تارة كان تقطيعا مع حضور حالة الفلاش باك، وتارة أخرى استرجاعيا ضمن دائرة الخطايا التي اعتمدته الكاتبة : ((أزحت الإسمنت والحصى عني، دفعت بالزاوية بعيدا. لكن الدماء تسيل من مناطق عديدة في جسدي، أما روحي فذاهلة ولا أدري هل هي معي أم أنّها هائمة في عالم عتمة آخر غير ما أرى. أتذكر أن الناس تحدثوا عن النهاية قبل هذا اليوم، قال بعضهم أنّ طوفانا كطوفان نوح سيغرق العالم، وقال آخرون أنّ الله سيقلب قطب الأرض وتشرق الشمس من المغرب... الخ- ص 9 – رواية الأوان)). ويقول جيرار جينيت في كتابه نظرية السرد : ((الأنا كمشارك: إنها حالة الرواية بضمير المتكلم، حيث يتساوى السارد والشخصية الرئيسية " مثال : ديكنز في رواية الآمال الكبيرة " – ص 14 – نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير- جيار جينيت – ترجمة: ناجي مصطفى)). بما أن الروائية تكتب النصّ الشعري، فاللغة الشعرية قد أثرت على الخطاب الروائي، وهي توظف فعل الإثارة، مما أعطت جاذبية عليا في اللغة التي وظفتها في النصّ الروائي، زائدا هناك المخاتلات الفنية التي اعتمدتها فأعطت نتائج وركائز كبرى في مرحلة البناء السردي وحالات القياس الموضوعي الذي اعتمد الانفعالات والسمات الكامنة في الذات العاملة؛ لذلك كانت لغة الـ (أنا) نافذة في الصفحات الأولى وهي تخبرنا عن بعض العلاقات غير المتوقعة، وواقعيتها خرجت لتحديد مواضع الأفراد.((ولعلّ السرد بضمير الأنا، أو كتابة السيرة الذاتية الروائية، هو، وكما أوضحت في هذا الكتاب، بمثابة التأكيد على هويّة المروي وبما هو، أي هذا المروي، ينتمي إلى زمان ومكان، أو إلى مجتمع له تاريخه. – ص 10 – الرواية العربية المتخيل وبنيته الفنية – د. يمنى العيد)). إن الغفوة التي طالتها كأنها تناص من أهل الكهف الذين لم يعرفوا كم مكثوا، والحالة الاستدلالية التي رسمتها الكاتبة ليست شبيهة ولكنها مشتقة من قصة أهل الكهف بأسلوبها الخاص: ((لا أدري كم غبت عن الوعي، يوما، ساعة أو دهرا ؟ - كل ما أتذكره أنّ صوتا مرعبا صمّ أذني وارتميت كمن رفعني إلى الأعلى وضربني بالأرض، كم مرّ من الوقت ياترى ؟ - ص 10 – رواية الأوان)). سالم باقي يحيى : لو قسمنا الاسم المركب إلى كلمات، فسوف نعطي لكل كلمة من خلال المعنى اللساني الدلالي معنى، وهنا نكون قد دخلنا إلى المفهوم الدلالي للمعنى من خلال الكلمة (الاسم) وهي عادة تصادفنا بشكل دقيق في الروايات النوعية، حيث أن الأسماء تشكل معاني دالة على الحدث والأحداث الروائية.. فكلمة سالم مثلا، نخرج عن كونها اسما من أسماء العلم، وندخل إليها من خلال المعنى ككلمة دالة على الحدث، فالشخصية تعني لنا أنه سالم من كلّ شيء، ويخرج سالما من كلّ مغامرة يدخلها، لذلك نكون قد أعطينا مستوى المعنى الدال على الحدث والمغامرات التي واجهت الشخصية (سالم).. ونعبر إلى الاسم الثاني ونتعامل معه على أنه كلمة أيضا، (باقي)، فهو باق على مجرى الحياة ولم تخدشه أو تنهيه حادثة ما، بل يخرج منها بصفة منتصرة، أما كلمة (يحيى)، فنقول أحيا الفلاح الأرض، أي جعلها خصبة، وأحيا الله فلانا أي جعله حيا، فهو الحي المتحرك أمامنا دون ملل أو تكاسل، فالحركة التي نعنيها حركة الدال بما تعني لنا كلمة (يحيى). المجال الدلالي الرمزي: إن فلسفة الأشكال الرمزية تشمل الكلمات التي يُشار إليها أيضا، وبما أن الكاتبة العراقية بلقيس حميد قد أشارت إلى بعض الأسماء فقد كانت من وراء ذلك الرموز الخفية، وهي في حالة تفكيكها فهناك علاقات ديناميكية بين كلّ رمز من الرموز وأحداث الرواية، فمثلا أشارت إلى الشخصية الرئيسية (سالم باقي يحيى) الذي كان يحلم بأن يكون كاتبا كبيرا؛ ومبدأ الحلم وحده يحوي على الكثير من التمنيات والكثير من الأحداث غير المتطابفة أي أن الكاتبة قادتنا إلى التطابق والتمايز من خلال أحلام شخصيتها والتي راوغت بين الحضور والغياب Presence and Absence ، حسب مبدأ دريدا. إن الشيء الذي يجعلنا ننتبه له، هو بين الأنا والآخر، أي ثقافة الأنا المفردة، وثقافة الآخر الجماعية، لذلك ومن خلال الحدث المنقول نلاحظ أن الشخصيات مختلفة كل الاختلاف من ناحية الثقافة الفردية والجماعية كأن المجتمع يرغب بإطاحة من يخرج بعاهة (الخرس حسب ماجاء بالرواية) والإساءة له وعدم تقريبه، لذلك رمزت من خلال الشخصية الرئيسية (الدال) بالتمرد على الآخرين ((يضحك على عاهتي عادل ابن جارنا، يحفز الأطفال على احتقاري وضربي بالحجارة أحيانا، لا أستطيع أن أرد عليهم لأني أخرس، ولكن عندما ترمى الكرة بعيدا، أركض كالسهم إليها، ألتقطها وأدخل بيتنا لأمزقها بسكين المطبخ، أرميها عليهم وهم ذاهلون فيكرهون اللعب معي مرة أخرى. – ص 13 – رواية الأوان)). ياترى من صنع هذه الشخصية الدونية والخباثة، بالأخير أن يكون متمردا على كلّ شيء حتى على أمه التي عملت المستحيل من أجل أن ينطق؟! البنية السردية.. النسق والمعنى البنية السردية.. النسق والإحالة.. إن السيرة السردية التي تسلسلت من خلال الوحدات الحكائية والوحدات اللغوية قد عامت على منظور السيرة الحكائية المتمثل بالبطل والبطل الجمالي، لذلك فقد جاءت رواية الأوان بتطورات شخصية بين البطل الظاهري وبين الشخصيات التي ساندت البطل والكاتبة تسرد لنا الأحداث بين سيرة وأخرى، ولكن مركزية الحدث العائم كان بشخصية البطل (سالم باقي يحيى) لذلك عندما التزم القول وما آلت له تصرفاته الغريبة حدثت تطورات دلالية، وهنا تلتزم الكاتبة العراقية بلقيس حميد ببعض آليات الكتابة الداخلية وهي تبرئ البطل الحتمي من تصرفاته الغريبة، وقد ظهرت لنا بعض الالتزامات منها إمكانيات الاستقراء على وجه التمأمل، ومنها حدث المتعة الخطية التي اعتمدتها: متعة الحواس في الإدراكيات التي توالت في الحدث اليومي من خلال الشخصيات المتواصلة، وهذه وحدها شكلت التواصل القولي من خلال التفكر والتذكر الذاتي، حيث أنّ الكاتبة بلقيس حميد استطاعت أن تجذب القارئ لمتعتة متخفية، وهي نفسها متعة اختفاء السرد، وظهوره شكل دعوة إلى التفكر العقلي، كأن الواحد منا فكر وقال، هذا المشهد كان أمامي، وهذا القول ينسبه إلى أحد المقربين له، فقد شكل المنظور الواقعي الشعبي أحداثا في غاية الأهمية وخصوصا عندما تأخذ الأم ولدها إلى الشيخ ((كانت أمي بين التعاطف معي والخوف عليّ، والجزع من بكائي، وكأيّ أم تريد أن يكون ابنها أحسن البشر، حاولت عمل أي شيء، لأكون مثل بقية الأطفال، فقالت للشيخ وهي في شك من كلامه : شيخنا أقسم لك بالله العظيم بالأنبياء جميعا وبكلّ الأئمة، إذا نطق الولد سأغير اسمه على اسمك واسميه سالم – ص 19 – 20 – رواية الأوان)). هذه الحالات من الحالات المتداولة بين أفراد المجتمع العراقي، حيث كان للإيمان بالشيوخ والسادة لها الأهمية في التطبيب الشفوي، وقال قائل: (إنهم على نياتهم). الولد لاينكر عاهته (الخرس) التي لازمته وسببت له الالآم والتفكر والخروج عن المعتاد مع الأطفال، ونظرا لمداهرة الأطفال له، فقد بنيت عنده عاهة جديدة وأخذت تنمو معه وهي حالات الانتقام من الآخرين والتفكر غير الطبيعي، أي أنه خرج من الحالة الطبيعية بصمت هائل، وشكل الصمت لغته القصوى، فهو لايجيد الكلام إلا بتفكر صامت بينه وبين نفسه. إنّ كلّ انفعال يحمل اسما، ولكن انفعالات الكاتبة التي منحتها لشخصياتها (ومنها الشخصية الرئيسية) حملت أكثر من اسم، فهو الصامت بانفعال وهو المهرج بانفعال وهو المنتقم بانفعال وهو المتمرد، إذن تعدد النتائج بسبب واحد، وهي عدم النطق، وماذا إذا نطق (الأخرس) فإنّه سيكون صاحب سلطة أكثر نفوذا، ومن خلال هذا المنظور بدأ الصراع الجديد مع الاسم الجديد؛ أي مابعد النطق والخروج من حالة الصمت. فالاسم الجديد الذي رافق (الولد) حمل رمزا جديدا وخيالا أكثر مساحة من ذي قبل، وقد أحالت الكاتبة أيضا هذه المسميات إلى زمنية جديدة. النسق والمعنى: هناك أنساق ترابطية فيماطرحته الكاتبة بين الأحداث فمنها النسق الفلاش باكي والنسق القضائي الذي تحكمه الجمل المركبة والتي رسمت على شكل مقاطع أو حوارات تفكرية استطاعت من خلالها أن تربط الأحداث ويكون مركز هذه الأحداث الدال المتمثل بشخصية الرواية الرئيسية فقد عبرت عن كلّ مقطع بأجزاء، وهي الأجزاء المركبة التي حملت المعاني: الثبات على الشخصية المركزية الدالة؛ والخروج من المتغيرات الفردية، وقد تبقى في بعض الأحيان مع بعض الشخصيات وذلك بما تتطلبه العلاقة النسقية والمعنى في المنظور الروائي. تنوع الأمكنة.. وقد تمكنت الكاتبة بلقيس حميد من الدخول إلى تنوع الأمكنة وذلك بأن ترسم أنساقا جديدة، أما لغة الحوار الممكنة فقد كانت تابعة للأمكنة التي احتوتها الرواية، وقد امتازت دلالة المكان والإشارة إليه بخصوصية وعلاقة مع الشخصيات المطروحة وذلك من خلال عدة وظائف يعتمدها السرد.. إنّ استخدام المكان مع دلالته الرامزة يحمل إشارة باتجاهين: الاتجاه الأول: الحدث المكاني؛ يعد الحدث المكاني برمزيته دلالة ممكنة في تغيير الدلالات من جهة وتنوع الأحداث من جهة أخرى، وفي هذه الحالة يبحث القارئ عن التقاطعات المكانية، كأن يكون بتوجهات تاريخية أو كينونة خارج الإثبات، أو التقاطات خيالية تمر عبر المنظور الواقعي. الاتجاه الثاني: لغة المعاني المرتبطة بالأمكنة وتحولاتها، فتركيب المعنى يكون على التركيب المكاني، لذلك نقول إنّ المكان يدل على مكانه، فيتقاطع المكان مع زمن النصّ المرسوم. إنّ العلاقات الفردية التي احتوتها الرواية من الممكن أن تعطينا التأويل وهي حاملة لرموزها والتي تتماشى مع النسق الفردي، هذا من ناحية الرمزية والتأويل؛ أما من ناحية اللغة الطبيعية والتي رسمت الكاتبة بعض الأوصاف للشخصيات والأمكنة وطبيعة الحدث، ففي هذه الحالة تكون قد أدخلتنا للنسق المنطقي، ومن هنا نستطيع ان نميز بين المعقول واللامعقول، فالميزة الطبيعية التي اعتمدتها الكاتبة ناحية تركيب المقاطع والمعاني المحمولة ضمن النسق المنطقي وكذلك العناصر الجوهرية التي ترافقت مع طبيعة الرواية وأحداثها المتواصلة. تميل الكاتبة إلى برهنة المعاني من خلال الاستدلال من جهة ومن خلال الاستبدال من جهة أخرى، وهذا مايدلنا على النسق التركيبي ومهمة عمله في الرواية المرصودة كأحداث غير متوقعة إلا من خلال بعض الرموز أما الفاصلة والنقطة وعلامة الاستفهام. وهي طبيعة كتابية لانستغرب تواجدها ضمن النسق الكتابي الحديث في رواية الأوان. تتوقف الجمل والمعاني والمعطيات الأساسية، تتوقف على المعاني والأنساق وتشابه العوالم الدائرة حول الذات العاملة، حيث أن مشكلة المعنى التي نتصوره ليس صائبا دائما، لذلك ربما تحتمل التصديق أو عدمه؛ فالولوج بهذا المبنى في الرواية الحديثة من خلال العلاقات المنحدرة من الواقع الاجتماعي، لذلك عندما تتحمل المصداقية قصدية الكاتب، إما يكون الحدث قد مرّ به أو هناك أحداث متشابهة، حيث أنها تشكل مجاورات طبيعية في التنفس الروائي. المنظور التخييلي للأحداث (الفلاش باك) والحاضر يتحرك فعل التخييل ليفرش الخيال المتطابق بما يدور في ذهنية الباث، ومن هنا يصبح لنا فعلان، فعل التخييل الأساسي، الذي له الحركة التفاعلية مع النصّ الروائي من خلال الشرود الذهني ومطابقة الأفكار بصيغة خارجة عن مألوفها المباشر، وفعل الخيال الذي يتحرك ضمن خيالات الكاتبة وهي تجني محاصيلها مع الشخصيات المعتمدة في الرواية؛ فيكون ترجمة فعلية لفعل المتخيل الذي لايهدأ بزاوية معينة إلا وقد ترك أثره في الحوار مثلا أو الانتقالات المكانية والزمانية بين حدث وآخر، فمع كل زمن أو لحظة زمنية حوار جديد وحادثة غير مكررة، لذلك فالفعل الزمني له الأثر في التنقيب بين الفعل الآني كحالة حاضرة وبين الماضي والتفكر الفلاش باكي وبين المستقبلي من خلال التنبؤات في بعض الأحيان. يندرج مفهوم المنظور التخييلي للأحداث بفضاء واسع، وتعداده يتطلب مساحة أكبر، وخصوصا أن رواية الأوان تحوي على عدة فضاءات متجانسة وهي تجرك من فضاء إلى آخر بانسجام ذاتي، وبالتالي يعوم فضاء الانسجام التصحيحي والذي له علاقة مع تفكيك القارئ وعلاقته مع أحداث الرواية. المفهوم الفضائي الفضاء الزمني فضاء الفلاش باك والحاضر إن موضوع الفضاء في فعل المتخيل، من المواضع الواسعة، وذلك يكون موازيا لفعله عنما نتطرق عن الفضاء السردي في الرواية الحديثة، فيشكل إعادة اعتبار في التشكيل الروائي وما ذهبت إليها النصية من امتيازات ومساحات واسعة ونحن نطرق باب التخييل والزمنية الحاضرة والتفكر الفلاش باكي. المفهوم الفضائي.. من خلال المتعلقات الذاتية من شخصيات وأحداث قبيل الكتابة، تفرش الكاتبة العراقية بلقيس حميد، فضاء كتابيا مهيئا لاستيعاب هذا الكم ومساحته الواسعة، فهي شغوفة بأن تبدأ ولكنها لم تبدأ بدون مساحة من التخييل والتفكر بالمجال السردي، ومن خلال هذا المنظور تتجمع جميع العناصر ومجاوراتها في فضاء الرواية المعاصرة، والكاتبة العراقية بلقيس حميد، تعي جيدا بأن الفضاء هو الجامع بجميع الاتجاهات، فهو يمثل العلو والأسفل واليمين والشمال؛ لذلك منحت مساحة لابأس بها وهي تقودنا من خلال فضاء المكان وفضاء الزمان إلى عوالم دخلت بهذا الفضاء، ومع كل عالم ذات جديدة استطاعت أن توظفها في مجال الفضاء الروائي. ومن خلال المشهد السردي للرواية استطاعت أن تجعلنا نكون معها في حالات الحزن وحالات الابتسامة وحالات الفرح، فقد أولت على رسم ووصف بعض الاتجاهات الممكنة والعالقة في الذات العاملة خدمة للفضاء الروائي، فقد شكل الفضاء اتساعا أوسع من المكان، ويعتبر المكان جزءا من الفضاء أو زاوية ما من زوايا الفضاء. ((فالروائي شأنه شأن الرسام والمصور، يجتزئ في البداية، قطعة من الفضاء، ويؤطرها، ويقف على مسافة معينة منها – الفضاء الروائي – جيرار جينيت – ترجمة : عبد الرحيم حزل)). بما أن الفضاء الروائي يعتمد اللغة الروائية، فيعد الفضاء بنية من البنى الكبيرة، فهو يحمل بنيته الخاصة، والبنية غير الهدم، فهي تقوم بوظيفة الجمع، فنطلق عليها البنية الفضائية. الفضاء الزمني.. يشكل الفضاء الزمني دلالة وله علاقة مع الفضاء المكاني، حيث أن الكاتب غاستون باشلار (1884 – 1964) أكد على تلازم الزمان والمكان في العمل الروائي. ولكن عندما تكون هناك تراكمات لحركة الأفعال المبنية على زمنيتها فالعلاقة تتبين أكثر وأكثر، فحركة الافعال الحركية والانتقالية لهما الأثر والفعالية في الفضاء الزمني للرواية : ((أما اغلبنا نحن الرجال، فعقولنا بين أفخاذنا، تستطيع أبسط امرأة أومراهقة أن تلعب بعقولنا وتغير أدمغتنا، وبهذا العقل خربنا الأرض وسمحنا للشر باستغلالنا، وللأسف رغم كلّ ماحصلنا عليه من التطور العلمي والحضاري، بقينا هشين تحت قدرة المرأة على غسيل أدمغتنا والانتصار على عقولنا بخبث. هكذا كنت حقيرا، مغسول الدماغ، حين صدقت كلام زوجتي كله، ولم أشك به، وأقنعت نفسي أنها على صواب فلم أعط الضحية أمي أيّ مجال للدفاع عن النفس. – ص 42 – رواية الأوان)). لقد منحت الكاتبة بلقيس حميد مساحة زمنية ضمن الفضاء الزمني في الرواية وهي تبني هذا الفضاء بين الشخصية الروائية والمكان والزمن التاريخي والذي تحدد بين الطفولة والشباب والبلوغ النوعي للشخصية (سالم باقي يحيى) والذي كان ضمن مركزية الشخصيات الروائية والتي بدأت من الـ (أنا)، وبقيت متماسكة الشخصيات وذلك لكي يكون النص الروائي أكثر تماسكا وذا انسجام كإطار عام في زمن الرواية؛ وهذا مايدفعنا للقول بأن الزمنية هي الأكثر التصاقا بالرواية الحديثة. ماخصخته الكاتبة العراقية بلقيس حميد في البنية الزمنية هي تلك البنية الطبيعية التي توترت بها الظاهرية وقياسات العلة، وقد برهنت الأحداث ومجاوراتها هذا الخصوص. فضاء الفلاش باك والحاضر.. إن عمليات التذكر والتفكر بعد تجاوز الأحداث الحاضرة، قد توازت مع أحداث الرواية، فالشخصية الرئيسية ترجعنا إلى محطات ماضية وهي ملامة نفسها على أعمال مشينة بقيت تلازمها إلى الكبر، ولكن في نفس الوقت طرحت الكاتبة العراقية بلقيس حميد، تلك الوقائع التذكرية في مجالات عديدة، ومنها مجال المعالجة والاستمرارية في اتخاذ القرارات، وهما الوسيلتان اللتان تقودنا إلى المعالجة النفسية ((ينبغي لنا منذ الآن،وحتى قبل تقديم براهيننا،الإحساس بأن التحليل النفسي لايخبر عن كل شيء حين تأكيده على الخاصية الشهوانية للتحليق الحالم. يحتاج هذا التحليق، مثل باقي الرموز النفسية، إلى تأويل متعدد :عاطفي، جمالي، عقلاني وموضوعي.- من بحث لـ - غاستون باشلار – ترجمة : سعيد بوخليط ، المغرب – مصدر النص : josi corti ;1943 .PP :27-35. et les songes l'air Gaston Bachelard)). فقد رافقت العوامل النفسية الحادة لشخصية الرواية حتى وصل به الحال إلى القتل والاغتصاب، فقد اغتصب إحدى البائعات وكانت خرساء؛ هذه الموازنة بين عاهته التي لازمته ةتخلص منها فيما بعد وبين نفس العاهة التي جابهته، ونتيجة الاغتصاب أدى بهذه المرأة إلى الانتحار. تقودنا تقنية الفلاش باك إلى الرجوع خلفا مع تفسيرات توضيحية وهذا ماحدث في رواية (الأوان) من خلال ممارسة الأحداث والوقوف عندها وترجيعها من خلال التفكر الذهني؛ وهي المرجعية الأدبية التي توالت مع هذه التقنية من مواجهة الواقع الذي مرّ بهذه الشخصية أو تلك. هكذا ترجع الذاكرة خلفا حول تصفية الأخطاء التي تلازم المرء، والمفيد من منطقة الفلاش باك، أنها تخصّ الذهنية بعملية التفكر وطرد الأفكار السلبية لأنها إعادة جدلية للماضي والحاضر، الماضي الذي ارتكب اللاشعور، والحاضر عندما حضر الوعي بقياسات جديدة. الجمالية والحدث الآني عندما ندخل إلى العنصر الجمالي يرافقنا العنصر التخييلي، وفي رواية (الأوان)، نلاحظ أن التخييل يعوم في الكثير من النقاط والوقفات الملتفتة للمتلقي، حيث أنها شكلت لازمة جمالية في البنية السردية التي اعتمدتها الكاتبة العراقية بلقيس حميد. من المنطلقات التي وزعتها الكاتبة بالرغم من رفضها أو قبولها هناك الحالات الجنسية التي كسرت من خلالها حاجز الصمت والكبت الجنسي في المجتمع العراقي، فالحدث الجنسي حضر في رواية الأوان وهي تخبرنا عن بعض الوقائع بعلاقات جمالية في الأسلوب والطرح، وكذلك العلاقة الإبستمولوجية والكشف عن الذات مقابل القدرة على توليد الحدث الجمالي. تعتمد اللغة وجماليتها الرصيد الأول في التفكر الروائي، لذلك لايمكننا أن نأتي بمفردات أحادية وهي تحمل المعنى المباشر وزجها في الحدث الروائي دون تراكيب امتدادية وذلك لكي يستوي المعنى، إذن تعتبر اللغة ومنها اللغة السردية التي تحمل من ضمنها لغة التخييل كمستوى جمالي مناهض للعمل اللساني، أي أن اللغة في العمل الروائي تعتمد التوظيف، ومن هنا نستطيع أن نجني المنظور الجمالي من خلال الحدث المؤثر في العمل الروائي، فيتجانس الفعل التأثيري المنشط للإشارات المتخمة في الجمل الامتدادية بالمعاني لكي تكون عملية التأثير بالمتلقي أسرع وأكثر مساحة. من الممكن جدا أن تتجانس الجمالية بأحضان المنشطات العلاماتية والإشارات والرمزية، وهي حوافز للفعل التأثيري لكي يكون ذا شأن في العلامات، طالما أنّ العلامة ذات معطى اجتماعي وثقافي وحضاري أصله الوضع والعرف، فينهض العمل الروائي باعتباره حضورا خطيا تركيبيا؛ فالجملة المعتمدة مهما تكون جماليتها فهي على علاقة في المعنى والمعنى الجمالي مع الجمل الأخرى، ومن خلال هذه العلاقات الشاخصة نحصل على تطورات في التقنية الروائية مثلا عندما نكون في حديقة الوصف، فهي تقنية تساعدنا بشكلها الجمالي على تطوير الحدث داخل السرد. علاء حمد - عراقي مقيم في الدنمارك ............................... * رواية الأوان: للكاتبة والشاعرة العراقية بلقيس حميد.. عراقية مقيمة في هولندا، اصدار وتوزيع دار تأويل.. السويد – العراق