بلقيس العاشقة Print
بلقيس العاشقة

عوني الداوودي
العشق درجة فوق الحب ... ومن يبتلي به يتحول إلى متصوف، وبلقيس تعشق الحب، والكلمة، والموسيقى، والإنسان بمسارات متوازية ... والشاعر العاشق أمامه حالتين لا أكثر، أما الإبداع أو الجنون .. وهي أخذت من هذا وذاك، أنها مبدعة فذة، وقد مس الجنون جوانب من روحها العاشقة.

بلقيس شاعرة تعشق مفردات الحياة اليومية بأدق تفاصيلها، وما يحيط بكينونة الإنسان وأحاسيسه، وتتميز بحس ٍ مرهف واع ٍ لما يدور حواليّ الكلمة والعبارة، أنها تسمع إيقاع الكلمة وموسيقاها عن بعد وتميزها، ومدى صلاحيتها للزمكان، وهي شاعرة مثقفة تشربت بأبجديات الثقافة الأدبية والسياسية منذ نعومة أضفارها، وتربت في بيئة شعرية أدبية سياسية إنسانية، في بيت من بيوتات عراق الستينات والسبعينات التي كانت عامرة بحب الإنسان وضد ثقافة الزيتوني والمسدس، أنها أبنة سوق الشيوخ إحدى مدن محافظة الناصرية في الجنوب العراقي، وهذه المدينة أم ولادة لكبار الشعراء العراقيين.

نظمت الشعرعمودياً وهي لم تزل طفلة بمقاييس الأعمار، لم تتعدى الحادية عشرة ربيعاً،

أحيت الشاعرة بلقيس أمسية شعرية حوارية في البيت الثقافي العراقي، وتوقيع ديوانها الثالث " أجمل المخلوقات رجل " في مدينة غوتنبورغ السويدية تلبية لدعوة كريمة من البيت الثقافي العراقي، وجمعية المرأة العراقية ... وبعد تقديمها من قبل الصديق الأستاذ عباس سميسم، بدأت الشاعرة. بتلقائية، وسلاسة، الحديث عن بداياتها الأولى، وكيفية حرص والدها الشاعر العراقي المعروف عبدالحميد السنيد على بث روح الأدب والشعر في نفوسهم هي وأخوانها، وتشجيعهم مادياً ومعنوياً على حفظ الشعر والإطلاع على أمهات الكتب في مكتبتهم العامرة التي تجاوزت عناوينه الثلاثة آلاف كتاب.
و تقول عن والدها: كان يكتب أحياناً صدر بيت من الشعر ثم يطلب منهم تكملة البيت، أي من يكتب العجز المكمل معنى وأيقاعا وموسيقى، ومن يأتي بالأجمل كانت الهدية المفعمة بالحب والتشجيع بإنتظاره.
وبعد سرد حكايا دافئة تدغدغ المشاعر عن ذاك الماضي البعيد بلسانٍ فصيح، وعيونٍ براقة تشع بالمعرفة والإمكانيات اللغوية والثقافية، عرجت على جوانب من حياتها السياسية وكيفية هروبها رغم قرارات المنع بحقها للسفر خارج العراق ..

بلقيس تتقن نطق مخارج الحروف وسلامة إيصالها للمتلقي برقي وتمكن يدل على عشق صافٍ، واتصال يومي بلغتها العربية لا من باب النطق وبديهية الحديث والإستماع، حسب، بل في حالة من التأمل لإستنباط الجميل والأجمل من اللغة، كما تتصف بدرجة عالية من الجودة في الإلقاء الشعري الذي ينقل المتلقي لا سيما المثقف لعوالم صوفية، والإستسلام لحالة من الخدر الجميل.
وبينما يجهد الكثير من شعراء الحداثة وكُتاب قصيدة النثر بإتيان قصيدة عمودية واحدة للتفاخر بإظهار الإمكانيات اللغوية، نرى بلقيس وكما تقول بأنها تكتب القصيدة العمودية بتلقائية، ومن ثم تحاول تكسيرها لقصيدة التفعيلة، وتحويلها للشعر الحر. وفي هذا دلالات واضحة لإمكانياتها اللغوية، وكتابتها القصيدة في وقت مبكر من عمرها، والاستمرار في التلقي والإطلاع وصقل الموهبة.

تتوزع الخارطة الشعرية لإنتاج بلقيس الأدبي، على حقول عدة تتمحور في مجملها على الإنسان وخفايا مكنوناته، فالحب علامة بارزة في شعر بلقيس، والمرأة وما يحيط بها من تابوات مجتمعية ذكورية تأخذ مساحة كبيرة، كمبدأ لا يقبل المساومة والتدليس تحت أي مسمى كان ... كذلك أحتل نضال الشعوب في سبيل التحرر من قيود الإحتلال، والإستغلال والظلم حيزاً كبيراً من نتاجها الشعري.

وعلى الغلاف الثاني لديوانها الجديد اختارت أبيات من قصيدة " رجل من عسل "

تومئُ لوحدتي أنْ اتبعيني
رجلٌ من عسل ٍ أنت
كيف لي، وأنا النحلةُ، التوقف عن الدوران من حولكَ ؟
.......
تومئ لورحي بالحب
رجلٌ من عسل ٍ أنت
كيف لي، وأنا الغارقة بالحرمان، التوقف عن الجري وراء ظلك ؟
.......
تومئ لشفتيّ بقبلة
رجلٌ من عسل ٍ أنت
كيف لي، وأنا الحالمة بجناحين، التوقف عن الرحيل إلى
حيث تزقزق العصافير ؟
......
تومئُ لعيني بارتعاشة ِ رمش ٍ
رجلٌ من عسل ٍ أنت
كيف لي، وأنا السجينة بقفص الحيرة، الامتناع عن النظر إليك ؟
......
تومئ لفلسفتي بالاختراق
رجلٌ من عسل ٍ أنت
كيف لي ألاّ أعبدك
وهل أعبدك
وأنا الرافضة لكل وثن ؟
16-11-2012