وداعا علي الشوك Print
(علي الشوك)
الباحث الكبير عاشق اللغة والموسيقى والرياضيات
وداعاً
بلقيس حميد حسن
عام ١٩٩٧،  أو بعدها بعام ربما  حينما كنت أعمل في مكتبة لاهاي المركزية ، استضافت مكتبة لاهاي الراحل وكان لي شرف تقديمه للجمهور ..
كان إنسانا هادئا ، متواضعا، لايحب أن يلفت الأنظار حتى لعقله الذي أعطى لنا من البحوث كتبا في اللغة والموسيقى والرياضيات.
كنت وأنا أحاوره أريد إخراج كنوزه عنوة ليقول للجمهور أكثر ، لكنه يدس في أذني جملة يقول:
انا لا أحب الكلام بل أحب الكتابة..
قدمت إعجابي بجمله وابداعاته من كتبه وحياته للجمهور، وقد عرفت أنه أول من فسر شعر أبو نؤاس في حبيبته (جنان ) حينما وزع الشاعر المشهور أجزاء قلبه بينها وبين الآخرين  فقال:
جنان حصلت قلبي فما ان فيه من باقٍ
لها الثلثان من قلبي وثلثا ثلثه الباقـي
وثلثا ثلث ما يبقى وثلث الثلث للساقي
فتبقى أسهم سـتٌ تُجزأ بينَ عشـاقِ
استطاع الراحل علي الشوك في ستينات أو خمسينات القرن الماضي حين كان مدرسا للرياضيات،  أن يحلّ لغز ابو نؤاس ويعطي كل ذي حق حقه من قلب الشاعر بأرقام حسابية..
كان الراحل علي الشوك انسانا زاهدا ، لايريد من الدنيا شيئا ، حتى أبحاثه في اللغة والموسيقى جاءت كما يقول رغبة في إمتاع نفسه الحزينة لفقدان الوطن والأمل في الانسانية حيث سقوط التجربة الاشتراكية التي أوجعت كل من تمسك بها كحل لهموم الناس والطبقات المسحوقة ..
كان راقيا في تصرفاته، كبيرا في أخلاقه، فقد رافقته لثلاثة أيام كنت أوصله للفندق وأذهب في اليوم الأخر لأنقله الى المكتبة أو المطعم . كنت استفزه للحديث طمعا في الاستزادة منه، او أدعوه للبيت مع آخرين ليحدثنا شيئا مما بداخله من معلومات واكتشافات باللغة والموسيقى والحياة.
علي الشوك كان انسانا متميزا، متفردا في حضوره الذي يضفي هيبة الصمت على المجلس لتستمع اليه .
كم شعرت حينما التقيته بأن العراق خسر عقولا ً وقدرات كان أحرى لو عاشت به وانتفع الشعب مما عندها من علوم وآداب ووعي، فألعن الدكتاتور والحكم الشمولي وألعن السلطة والكراسي المستبدة التي تفرط بأمثال الباحث والانسان علي الشوك.
ورغم كل مايزخر به عقله من روائع كان دمث الطبع وفيّا، إذ بعد عام أو أكثر بقليل كان نادي الكوفة في لندن قد استضافني مع شاعرين آخرين ، فحضر علي الشوك الأمسية، سلمنا على بعض في الاستراحة بحرارة ، وقال لي أنا لا أحضر  أمسيات ونشاطات  فأنا مريض وأحب العزلة ، لكنني جئت من أجلك وأجل  أن أراك أنت فقط لأن لك جميلا في عنقي، والآن رأيتك  وأشعر بتعب فهل تسمحين لي بالذهاب قبل انتهاء الأمسية ؟
كم كان مرهفا ونبيلاً.
شكرته وقد أسعدني حضوره والاهتمام الذي خصني به وهو رجل كبير ومريض.
الرحمة والسكينة لتلك الروح السامقة ، والأخلاق السامية ..
لقد خسرنا باحثا مختلفاً لايعوض، ربط بين اللغة والموسيقى والرياضيات مالم يفعله أحد قبله عندنا نحن العرب.
وداعا أيها الكبير الذي فجعت برحيله البارحة.
نم قرير العين وقد طارت كتبك للملأ لتقرأ الناس جمال روحك .
نم قرير العين  فالسحر الذي افتتنت به من روعة اللغة والموسيقى قد أوصلته لأرواحنا بإطار من الذوق الرفيع المحبب..
السلام والسكينة لتلك الروح الغريبة، الحزينة، الشفافة، الطيبة  والكريمة ...
١٦-١-٢٠١٩
(علي الشوك)
الباحث الكبير عاشق اللغة والموسيقى والرياضيات
وداعاً
بلقيس حميد حسن
عام ١٩٩٧،  أو بعدها بعام ربما  حينما كنت أعمل في مكتبة لاهاي المركزية ، استضافت مكتبة لاهاي الراحل وكان لي شرف تقديمه للجمهور ..
كان إنسانا هادئا ، متواضعا، لايحب أن يلفت الأنظار حتى لعقله الذي أعطى لنا من البحوث كتبا في اللغة والموسيقى والرياضيات.
كنت وأنا أحاوره أريد إخراج كنوزه عنوة ليقول للجمهور أكثر ، لكنه يدس في أذني جملة يقول:
انا لا أحب الكلام بل أحب الكتابة..
قدمت إعجابي بجمله وابداعاته من كتبه وحياته للجمهور، وقد عرفت أنه أول من فسر شعر أبو نؤاس في حبيبته (جنان ) حينما وزع الشاعر المشهور أجزاء قلبه بينها وبين الآخرين  فقال:
جنان حصلت قلبي فما ان فيه من باقٍ
لها الثلثان من قلبي وثلثا ثلثه الباقـي
وثلثا ثلث ما يبقى وثلث الثلث للساقي
فتبقى أسهم سـتٌ تُجزأ بينَ عشـاقِ
استطاع الراحل علي الشوك في ستينات أو خمسينات القرن الماضي حين كان مدرسا للرياضيات،  أن يحلّ لغز ابو نؤاس ويعطي كل ذي حق حقه من قلب الشاعر بأرقام حسابية..
كان الراحل علي الشوك انسانا زاهدا ، لايريد من الدنيا شيئا ، حتى أبحاثه في اللغة والموسيقى جاءت كما يقول رغبة في إمتاع نفسه الحزينة لفقدان الوطن والأمل في الانسانية حيث سقوط التجربة الاشتراكية التي أوجعت كل من تمسك بها كحل لهموم الناس والطبقات المسحوقة ..
كان راقيا في تصرفاته، كبيرا في أخلاقه، فقد رافقته لثلاثة أيام كنت أوصله للفندق وأذهب في اليوم الأخر لأنقله الى المكتبة أو المطعم . كنت استفزه للحديث طمعا في الاستزادة منه، او أدعوه للبيت مع آخرين ليحدثنا شيئا مما بداخله من معلومات واكتشافات باللغة والموسيقى والحياة.
علي الشوك كان انسانا متميزا، متفردا في حضوره الذي يضفي هيبة الصمت على المجلس لتستمع اليه .
كم شعرت حينما التقيته بأن العراق خسر عقولا ً وقدرات كان أحرى لو عاشت به وانتفع الشعب مما عندها من علوم وآداب ووعي، فألعن الدكتاتور والحكم الشمولي وألعن السلطة والكراسي المستبدة التي تفرط بأمثال الباحث والانسان علي الشوك.
ورغم كل مايزخر به عقله من روائع كان دمث الطبع وفيّا، إذ بعد عام أو أكثر بقليل كان نادي الكوفة في لندن قد استضافني مع شاعرين آخرين ، فحضر علي الشوك الأمسية، سلمنا على بعض في الاستراحة بحرارة ، وقال لي أنا لا أحضر  أمسيات ونشاطات  فأنا مريض وأحب العزلة ، لكنني جئت من أجلك وأجل  أن أراك أنت فقط لأن لك جميلا في عنقي، والآن رأيتك  وأشعر بتعب فهل تسمحين لي بالذهاب قبل انتهاء الأمسية ؟
كم كان مرهفا ونبيلاً.
شكرته وقد أسعدني حضوره والاهتمام الذي خصني به وهو رجل كبير ومريض.
الرحمة والسكينة لتلك الروح السامقة ، والأخلاق السامية ..
لقد خسرنا باحثا مختلفاً لايعوض، ربط بين اللغة والموسيقى والرياضيات مالم يفعله أحد قبله عندنا نحن العرب.
وداعا أيها الكبير الذي فجعت برحيله البارحة.
نم قرير العين وقد طارت كتبك للملأ لتقرأ الناس جمال روحك .
نم قرير العين  فالسحر الذي افتتنت به من روعة اللغة والموسيقى قد أوصلته لأرواحنا بإطار من الذوق الرفيع المحبب..
السلام والسكينة لتلك الروح الغريبة، الحزينة، الشفافة، الطيبة  والكريمة ...
١٦-١-٢٠١٩