نوارس دجلة , تجربة حضارية رائدة Print
نوارس دجلة , تجربة حضارية رائدة
بلقيس حميد حسن

عندما قرأت عن تشكيل فرقة نسائية لغناء الفولكلور والأناشيد الوطنية العراقية في السويد, فرحت كثيرا, لأننا نعيش في زمن مخيف, يقطع حناجر النساء لو انطلقن بالغناء والانشاد, يُقتلن لو تحركت اجسادهن بايماءات الروح تعبيرا عن المحبة , ويضطهدن لو تحدثن عن العشق بقلوب بيضاء غضّة, زمنٌ شح بفناناته اللواتي يغنين ويطربن القلوب. وحينما رأيت فرقة "نوارس دجلة" في احدى أيام تدريباتها, وأنا في العاصمة السويدية ستوكهولم, حين دعيت لأمسية شعرية من قبل اتحاد الكتاب العراقيين في السويد بالاشتراك مع السيدة" بسعاد عيدان" وهي صاحبة فكرة نوارس دجلة وراعيتها, تحول الفرح عندي الى شيء بعضه الفرح وغالبيته الأمل بالتغييرالمرجو لصالح المرأة العراقية التي نراها تغرق بالسواد والأحجبة, ويُعتدى عليها لأتفه الأسباب, باسم الدفاع عن الشرف والتقاليد تارة, وباسم الدين تارة اخرى, او تحت ذرائع ومسميات لا تمت للعيش الكريم بصلة, ويوما بعد آخر نراها تبتعد عن الفن والحياة التي تتمتع بها نساء العالم المتحضر, حيث تتساوى المرأة في الحقوق مع الرجل , استنادا على المشتركات الإنسانية او البشرية التي لا تفرق بينهما, كالعقل والعواطف والغرائز والقدرة على العطاء وتثبيت القيم الانسانية النبيلة وبالتالي المساهمة الفعالة في بناء الأوطان.

رأيت اعضاء فرقة "نوارس دجلة" الفتية, وأغلبهن امهات وصاحبات مسؤوليات وظيفية وعائلية, يتدبرن شؤونهن بالتعاون مع عوائلهن, ليقتطعن من الوقت الثمين سويعات للتدريب على الغناء والموسيقى, انهن يتدربن بكل حماس وبكل الظروف, على يد فنان خبير حاصل على شهادات في الموسيقى وهو مايسترو محترف, لا يضيع دقائق من أجل ايصال الفرقة لمستوى الاداء المنشود, ليدخل قلوب وأرواح الناس مُسقطاً على ارواحهم ورداً نديا ونغمات رائقة مبهجة, انه الفنان القدير الاستاذ"علاء مجيد" الذي يصر على اختيار أعذب الكلمات العراقية, باحثا بدأب في التراث من منابعه الموثوقة, ليطرب العراقيين, معيدا لهم زمان ناظم الغزالي, سليمة مراد, احمد الخليل,رضا علي وعباس جميل وغيرهم من العباقرة الراحلين بعد ان تركوا في قلوبنا ولعا لا ينضب للفن العراقي الاصيل, حتى بلغنا مستوى لايمكن معه ان نقبل الفن الهابط والدخيل على اسماعنا ازمان الحروب والدكتاتورية والقتل اليومي وقطع الرؤوس.
لقد ارتقى رواد الفن الأصيل باذواقنا عاليا, لتسود المحبة بين ابناء الوطن, جاعلين العراق رمزا للعطاء والتنوع, لنحتفي بكل ماهو جميل وانساني .
تحاول فرقة"نوارس دجلة" إحياء الفن الحقيقي الذي ارتبط عندنا بنخيل العراق وبدجلة والفرات, بالشواطيء الحبيبة, وصباحات الشاي بالهيل, وعطور الرياحين وتغريد البلابل بين الأفياء المظللة لعشاق باحثين عن مقعد للحب والغزل والنجوى.
سمعت النوارس العراقية في تلك الفرقة يرددن خلف المايسترو وهو يضرب على العود بخفة ورشاقة..
على شواطي دجلة مُرْ
يامنيتي وقت الفــــجرْ
فانطلقت روحي صوب العراق, مغادرة ثلوج ستوكهولم, الى صباحات بغداد , شعرت بالدفء يسري في عروقي , معلنا نجاح تلك النغمات والأصوات الأنثوية الحنونة والتي تصر على الغناء لتجمل لنا الحياة. أداء الفرقة اخذني من موضع القلب الى نخيل بغداد , الى الزوراء في السبعينات, الى شارع "ابو نواس", الى نصب الحرية, الى شارع الرشيد والمتنبي, طاف بي مدن العراق شمالا وجنوبا, حلمت وغبت لثوان مع تدريباتهم, ومع ان حلمي لم يدم, لكنه أهداني فكرة اتمنى ان تتبناها المنظمات والجمعيات واي تجمع نسائي عراقي في الوطن او في الشتات الواسع, وتثبتها في برامجها وانظمتها الداخلية لتكون تقليدا دائما ,الا وهي ضرورة تأسيس فرق نسائية للغناء الوطني والفلوكلوري, يشيع البهجة في الأرواح الحزينة - وما اكثرها في العراق - ويؤسس لغناء عراقي أصيل,أنيق , راق ٍ ومعبـّر, بذات الوقت الذي يمنح المجتمع العراقي وجها حضاريا ويعطي المرأة دفعا في المساهمة بالفن بأجواء صحية, فِرَق ترعى المواهب النسائية وتطورها, من منطلق الالتزام بالحس الوطني وحب الجمال والخير , بدلا من ان تتبعثر بشكل فردي في اجواء غير سليمة في مرحلة خطيرة يمر بها المجتمع العراقي, تكون المرأة فيه الضحية الأولى اذ تقع على عاتقها اغلب التبعات..
"فرقة فنية تنطلق مع كل تنظيم نسوي"
ليكن هذا مطلبا تعمل عليه المنظمات والتجمعات المهتمة بشؤون المرأة, لصالح المجتمع والتحضر ..
تحية لجميع النوارس المنشدة للحب والوطن ..
تحية للسيدة بسعاد عيدان " ام كفاح " وهي تكافح لتؤسس تقليدا يرمم النفوس ويمنحنا الأمل في النقاء والمحبة.
تحية للفنان "علاء مجيد" وهو ينحت بالألحان نحتا للوصول الى الأرقى والأجمل
15-2-2009