نافذة

مأساة العراق, اليتيم Print

مأساة العراق,  اليتيم 
                                                       
    بلقيس حميد حسن                                   
   


عندما ارتكب هتلر جرائمه ضد البشرية , لم يكن اليهود وحدهم من إكتوى بناره, كان هدف هتلر إحتلال العالم وتوحيده على طريقة صدام حسين نفسه رغم الفوارق الكثيرة التي لا أريد الخوض بها الآن,  وسأوضح لماذا أتيت على ذكر هتلر  وجرائمه وكيف نجح اليهود بكسب التضامن العالمي معهم وأوصلهم  حتى لما لا يحق لهم امتلاكه .
لقد أراد صدام حسين  :
 أولا
أن يكون له  شعبا مطيعا سامعا له دون نقاش , أي آلة يحركها كيفما أراد, فبدأ منذ أن تمكن من وضع أقدامه على السلطة بقتل وقمع وقبر أي معارض أو مفكر لمجرد التفكير أن يكون له عقلا يناقش ويتفهم ما يجري من حوله.
ثانيا:
 أراد  دولة عربية فقط بعد أن يبيد الأكراد بما ملكت يده من أسلحة كيمياوية وغازات سامة بمساعدة أصدقائه الأمريكان آنذاك وبمباركتهم, وصمتهم المطبق عن جرائمه.
ثالثا:
 أراد السيطرة على منابع النفط في كل البلدان المجاورة للعراق ليكون تحت يده 80 بالمئة من بترول العالم,   ثم  وبعد الحرب العراقية الإيرانية وتمرد الكثير من أبناء الطائفة الشيعية عليه , وبعد فشله من السيطرة على ايران  أو على  أي شبر منها والإحباط الذي أصيب به دون أن يفكر بأكثر من مليون ونصف عراقي  من قتيل وجريح ومفقود ومعاق, فكر :
رابعا :
أن يسيطر على  أبناء أ الخليج بدلا من أصحاب العمائم الذي لم يستطع هزيمتهم  , فأمر بليل أظلم بالغزو على الكويت , وذلك بعد نداء غامض مشبوه,  وضوء أخضر مهدت له أمريكا لتجره لموقف , أرادوا به استكمال مخطط وفلم أمريكي طويل جدا لازلنا نجهل بعض فصوله.
خامسا :
فكر أن يقضي على  أغلبية الشيعة بعد أن شكلوا أكبر الخطر علية بعام الأنتفاضة 1991, فكان يريد أن يجعلهم أقلية بدلا من الأكثرية وأراد كعادته تغيير هذه النسبة بالبطش بهم هكذا وبالمجان , فكان جلاوزته يأخذون الناس من الشوارع بلا ذنب ليعدموا.
طبعا هذا لا يعني أن هِؤلاء هم فقط ضحايا صدام حسين, إنما الضحايا كانوا من كل فئات الشعب العراقي بكل أديانه ومذاهبه وأعراقه وقومياته, فعدائية  صدام ليس لها حدود , إنما  نستشف هذا التفكير من خلال النتائج المرعبة التي خلفها , يكفي أن النمو السكاني بالعراق كان من المفترض أن يكون عام 2000 مايقارب 48 مليون عراقي, فأين ذهب هؤلاء ليصبح العراق 26 مليون , وبنسبة بسيطة نستطيع حساب ذلك فبعام 1958 كان أبناء العراق 7 ملايين وبعام1978 كانوا 18 مليون . فقد قتل صدام ملايينا من  العراقيين بين المقابر والأسلحة المحرمة والإبادة بالسجون والتذويب بالأحماض والإ غتيالات والحروب وسواها من جرائم لا تعد ولا تحصى . ليس هذا فقط إنما جاء على أجمل وأعظم القيم والأخلاق في وطننا وسلط أحط الناس من مجرمين وساقطين ليجعلهم  جلاوزته  وأزلامه وأغرقهم بالمال والسلطة , ليستميتوا بالدفاع عن نظامه وجرائمه ويرتبط بقاءهم به, إذ نقلهم من الحضيض الى  ما لا يحلمون به في أي زمان ومكان .
أردت من هذه المقدمة أن أوضح أمرا جوهريا , ألا وهو أننا لا نعرف كيف ندافع عن قضايانا الهامة والتي يمكن أن تكون  عالمية,  عابرة للقارات  ومخترقة قلوب البشر لتتضامن معنا, كما أننا لم نستفد من التأريخ وتجارب الشعوب أبدا وكأننا لم نقرأ أو نسمع ماذا يجري في هذا العالم المتناحر,  وأستغرب من أننا ندافع عن قضايا الآخرين  بحماس أشد من دفاعنا عن أنفسنا.
إن اليهود الذين أبادهم هتلر, وأدخلهم المحارق وفعل بهم الأهوال , وااذين  يتباكى عليهم العالم حتى الآن , ويؤلف عنهم  المؤلفون الكتب بعد عشرات السنين , وتدرس بأغلب المدارس بأوروبا وجميع المدارس في هولندا  مذكرات الطفلة( أنا فرانك) التي نجت من مجزرة ذهب ضحيتها أغلب أهلها , وتوضع يوميا باقات الورود في اوروبا والعالم على نصب الضحايا من اليهود, ويعطى لإسرائيل  بسبب هذا وضعا مختلفا ومتميزا من بين حكومات العالم , فبهولندا مثلا , توجد أكبرهنغارات _حتى أكبر من هنغارات هولندا نفسها _  بأكبرمطار بهولندا لدولة إسرائيل,  وهي الدولة الوحيدة التي لا تفتش طائراتها,  وقد إستثمر اليهود هذا حتى  أصبح الإنسان الإسرائيلي أغلى وأغنى إنسان بالعالم , وأبيحت له كل المحرمات , من إحتلال الى خرق لجميع الأنظمة والمقدسات , وأغدقت عليه ولازالت تغدق جميع المنظمات الإنسانية بالعالم , رغم أن الاسرائيلي يعيش على جثث وقتل الأبرياء من أبناء فلسطين, وإغتصاب أرضهم وحقهم بالحياة .
وفي يوم 28-6-2003 حضرت عرضا لإحدى أفلام مهرجان الفيلم العربي بهولندا , وكان الفيلم لقاءات مع شخصيات يهودية عراقية , تحكي شوقها للعراق كونه الوطن الأصلي لهم  ورحلتهم التي كانت بعام 1948 الى اسرائيل والفارق بين المجتمعين الذي واجهوه.
أريد أن أوضح أمرا وهو  أنني أعرف الفرق بين اليهودي والصهيوني, وأنا لست ضد اليهودية كديانة , فأنا مؤمنة بالإنسان بغض النظر عن إنتماءاته وعقائده ,  لكن كل الصهاينة يهود وهذه حقيقة لايمكن أن ينفيها أحد, وقد استغل الصهاينة قضيتهم كيهود تعرضوا للظلم على يد هتلر,  وهذه أيضا حقيقة لا ينفيها أحد  وعلى أساسها ومن منطلقها,  فكرت حكومات الغرب بالبحث لهم عن وطن ... الى آخر القضية .
 لست ضد المعذبين مهما كان دينهم  , ولست ضد أي إنسان يشعر بألم أو يرى أن له حق لابد بالمطالبة به , ولست ضد حق كل إنسان بالحياة الحرة الكريمة مهما كان دينه وقوميته وعرقه أو لونه,  لكنني أتسائل:
*هل أن قضية هؤلاء- الآن- أكبر وأهم من  أكثر من 6 ملايين عراقي من جميع أبناء العراق على إختلافهم  يعيشون  بالمنافي  وأصقاع الأرض؟
ولماذا  لم تكن الأولوية لنا من منفيين ومهجرين ومعذبين ؟  لماذا لم نستغل هذه الفرصة لنا نحن  وللتعريف بأوجاعنا ,  إذ إن كان لليهودي وطنا يعيش به وصار معترفا به عالميا , ونراه الآن حرا ً متحكما بمصائر الآخرين  وقد تحقق برغم من  المآسي التي سببها لملايين الفلسطينيين إن بداخل فلسطين أو الملايين خارجها , فليس لنا نحن أبناء العراق سوى وطن واحد يكابد العذابات بأنواعها؟
*ولماذا  لم تستغل الفرصة لعرض فيلم عن المقابر الجماعية والمآسي التي مر ويمر بها العراق والتي هي  جريمة العصر التي أذهلت العالم ولازالت لمجرد كونها حقيقة يراها الناس دون أي إهتمام من إعلامي أو مخرج  أو موجه.
*لماذا  لم يعرض فيلما عن معاناة الأكراد في العراق الذين أبيدوا بعشرات الآلاف وأحرقوا بقراهم ومدنهم بوحشية وببرودة أعصاب مرعبة, وبكل أنواع الأسلحة المحرمة؟ أو  المهجرين العراقيين الذين رماهم النظام على الحدود بلا رحمة وبعنف وأسلوب  لاتعرفه الحضارة البشرية,  إذ جردوا من كل شيء , حتى الذكريات والتأريخ  ليجدوا أنفسهم مثل الطحالب في الصحراء التي يجهلونها؟
* ثم لماذا لم يعرض بدل هذا الفيلم فلما عن الكوارث والقهر وإغتصاب الحقوق  التي يتعرض لها أبناء فلسطين والتي تفوق مافعله هتلر باليهود سابقا؟

ونأتي نحن أبناء العراق المقتول , من قبل أبشع نظام عرفه التأريخ  وأفضع  مجرم سار على هذه الأرض , لنمر على مآسينا مرا ولنتطاحن فيما بيننا , لنضيع وقتا وطاقة  ضد شاعر أو كاتب , هو ضحية أيضا من ضحايا النظام .
لا أريد هنا أن أذكر أسماء ولا يحق لي أن أدافع أو أتهم  أحدا  , لكنني أدافع عن مبدأ , وعن توجه نسيناه , ولابد من الوقوف عنده .
من هنا ومن منطلق كوني  مهتمة بحقوق الإنسان,  أدعوا جميع العراقيين  من مثقفين , كتاب وشعراء وفنانين  ومهتمين بحقوق الإنسان  بل أي عراقي  يهمه أمر العراق وأبنائه , أن نبدأ حملة عالمية واسعة  لفضح الجرائم التي تعرض لها شعبنا العراقي ولازال يتعرض لها  , لتسجيل أشرطة وأفلام عن المقابر الجماعية,  وإستغلال كل الجهود لنقل قضيتنا الى المحافل العالمية بشكل أوسع , لنسافر الى بلدان العالم حاملين أفلاما وثائقية تدعوا لقضيتنا ولتتضامن مع شعبنا الذي يخرج من محنة ليدخل أخرى , لنرافق ضحايا ولنشغل الإعلام  ووسائله للتضامن مع هذا الشعب المسكين اليتيم ,لنتحاور من أجل إيجاد الوسائل التي توصلنا لهذا العمل,
 فأفضلنا  هو الذي يوصل صوتا متألما يؤثر على البشر بالعالم ,
 أفضلنا من يوظف طاقاته لهذا الأمر الذي لم نستطع أن نوصله كما أوصل اليهود قضيتهم,  رغم أن مأساتنا أكبر من كل مأساة مرت بها البشرية جمعاء,  ,ولابد لنا من الإعتراف بالخلل الذي يطوقنا من كل جانب ويساهم بتهميش  قضيتنا ,  ولابد لنا من أن نثبت بالعمل,  أننا حقا , ابناء العراق الذي نحب.        
                                  -29 6--‏2003‏‏-‏
                                   لاهاي /هولندا