نافذة

لازال للجامعة العربية فرصة Print

لازال للجامعة العربية فرصة

   بلقيس حميد حسن                                                                         

 

 إن المتتبع للسياسة الأمريكية على مدى عقدين من الزمن , يجد حتما أن السياسة الأمريكية حاولت جاهدة وبأساليب عديدة  وغير واضحة,  أن تزرع بذرة الحروب والكره بين الدول العربية , وما إعطائها الضوء الأخضر للنظام الساقط بالعراق لغزو الكويت إلا إحدى هذه المحاولات , وكان لها أن غزا صدام الكويت , ولم تكن الولايات المتحدة آن ذاك تكتفي بهذا العداء والحقد الذي زرعه هذا الإحتلال بين الأخوة,  بل كانت تريد أن ينقسم العرب وليتحاربوا  , قسم مع العراق وقسم مع الكويت وكانت الجامعة العربية منقسمة آنذاك لكنها قامت  بتفويت الفرصة على السياسة الأمريكية وإتخاذ  موقفا مضادا للمعتدي والمحتل لدولة مستقلة لها مكانتها بين دول العالم , ولها تمثيلها بالأمم المتحدة, وبالرغم أن جميع الشعوب العربية لم ترغب بتدمير العراق وشن الحرب عليه وقتل أبناءه, وقد كنت في سوريا آنذاك , حيث أرسلت الحكومة السورية وبحنكة الرئيس الراحل حافظ الأسد ، بعضا من  العسكريين ليساهموا بتحرير الكويت  بالوقت الذي كان  الشعب السوري يبكي معنا على العراق إبان الحرب الأمريكية عام 1991.

اليوم أرى أن محاولات السياسة الأمريكية ومن ورائها اللوبي الصهيوني , تريد إعادة نفس الحلم  مع الإعتقاد أنها ستكون هذه المرة أسهل إذ أن الإنقسام بين الدول العربية أكبر بعد غزو الكويت ,  والحقد بين الأخوة لازال موجودا,  والثارات العشائرية والسياسية على أشدها,  والسلاح متوفر في المنطقة والقوات الأمريكية أصبحت معتادة على ألأجواء الصحراوية بعد هذا التواجد الطويل بكل الأسلحة المتطورة والمرعبة التي يمكنها أن تدمر العرب وما بنوه على أراضيهم , وبأيديهم هذه المرة, فهل ننسى نحن العرب القمصان التي طبعوها وارتدوها بكثرة  بأمريكا عام 1991 والتي تحمل صورة  رجل بلباس عربي كتب تحته ( اقتل العربي)؟

 إذن تريد الولايات المتحدة أن يـُقتل العراقي بأيد عربية -ولابد لنا من الإشارة أن ليس كل من يقتل اليوم بأيد أمريكية هو من فلول النظام السابق -و بهذا ستقلل  من خسائرها البشرية بالعراق , وتؤجج  الأحقاد بين العرب جميعا والعراقيين لتصبح العراق بلدا منبوذا وشعبا مكروها من قبل العرب خاصة وأن موقف بعض الفصائل والشخصيات العربية لازال غير مدرك لخطورة الموقف , حيث أن هذه الأحزاب والفصائل

  • ·       لم تعترف بإبوة المخابرات الأمريكية لصدام حسين,ولم تعترف بأن كل التمثيلية التي تمثلها السياسة الأمريكية وأقطاب النظام العراقي السابق باتت مكشوفة ولابد من أن يراها العالم , فأين محاكمة أقطاب النظام ؟ ولم َ لمْ يحاكموا حتى الآن وهل فعلا سيحاكمون ؟ وأقول هنا لمن لا يعرف علاقة النظام العراقي البائد بالمخابرات الأمريكية , أنه لابد وأن شاهد يوما ما فيلما أمريكيا يتناول كيفية تعامل هذه المخابرات  مع عملائها وكيفية تصفيتهم بعد انتهاء أدوارهم المرسومة لهم والقضاء عليهم قبل أن يعترفوا بشيء , فلا  ينتظر أحدا من أمريكا أن تحاكم صدام حسين أو سواه من أقطاب النظام , إلا اللهم من ليس لهم علاقة بالمخابرات والذين ينفذون ما يطلب منهم على بعد , كما أقول هذا أيضا لكل العراقيين والأحزاب الوطنية التي إعترضت على مقتل عدي وقصي إذ رغبت بمحاكمتهم أمام الرأي العام , لأنهم مجرمون, وبهذا تناست هذه الأحزاب أن هؤلاء عملاء أوفياء لأمريكا وهي بمطالبتها محاكمتهم كأنها  تنفي عنهم أو تتناسى   جريمة الخيانة العظمى للوطن التي اقترفوها بتنفيذ المخططات الأمريكية , كما أنها بهذا الطلب أعطت الأمريكان صفة المنقذ الفعلي للعراقيين والمحرر الصادق والصدوق , وبهذا , أصبحت بعيدة عن الحقائق السياسية وعن فهم الواقع بشكل عميق , وفهم السياسة الأمريكية التي تسير بهدي المخابرات وبشكل واضح جدا. 
  •  لم تر بأعين مفتوحة الرعب الذي خلفه النظام الدموي  بالعراق بزرعه أرض العراق بطولها وعرضها  مقابرا وجماجما بالملايين ,وإفقار الشعب وتهجيره , وتكبيل العراق - الذي يعد من أغنى دول العالم - ديونا ومآس اقتصادية  قد يتحملها الشعب العراقي حتى  تجف آبار البترول من منابعه الغزيرة.
  • ولم تتفهم  حتى الآن خطورة موقفها الداعم لفلول النظام العراقي, إن إعلاميا أو فعليا على أرض العراق,  والذي يريد عزل العراق والعراقيين ثم الإستفراد بهم ليكونوا فلسطينا أخرى, إذ لا يستطيع العراقي أن ينزع من قلبه الخوف من عودة النظام الدموي حتى يرى نهاية أقطابه وحتى تتشكل حكومة وطنية تؤمن للبلاد استقرارا وأمنا,وعلاقات خارجية متوازنة  قائمة على أسس الإحترام لبقية الدول وقوانينها المكفولة لها دوليا , كي  تجعل العراقي يدافع عن حياض وطنه لاعن ديكتاتور أرعن  يقتله ويصادر حقه بالحياة.

من هنا يكون موقف الجامعة العربية الجديد والرافض لإرسال قوات عربية لحفظ الأمن بالعراق , حكيما , لأنه يضع السياسة الأمريكية على المحك من تنفيذ ماوعدت  العراقيين به وتحمل المسؤولية بإسقاط النظام العراقي وتحرير العراق على طريقة تحرير الكويت وحدها , إذ هي التي شنت الحرب على العراق بتحالفها مع بعض الدول الأوروبية, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عدم وضع فصائل من الجيوش العربية تحت إمرة القوات الأمريكية وابتزاز دولها من خلالها , كما يسقط  أحلام السياسة الأمريكة بنشر أحقاد عربية عربية, تشعل فتيلها فيما بينهم  وتبيعهم بنفس الوقت أسلحتها وتستأثر بالفائدة على كل الأصعدة .

أتمنى من  الدول العربية جميعها أن تبقى على موقفها هذا , لأن السياسة ألأمريكية مهدت خلال حملتها الإعلامية  المسعورة قبل أيام على المملكة العربية السعودية ,الى الضغط على هذا البلد لإرسال قواته الى العراق  حيث  إتهمتها بالتورط بأحداث 11 سبتمبر, وحجة الملفات التي خبأت والتي تدين السعودية, ولم يكن صعب علينا معرفة ما تريده أمريكا من السعودية بعد هذه الإتهامات, وكبديل لتحسين العلاقة معها , من هنا لابد لدول الخليج كالسعودية والكويت والتي تتواجد بها القوات الأمريكية , لابد لها  من موقف قوي لا يلين أمام التهديدات الأمريكية وسحب البساط منها,  ولابد للجامعة العربية من أن تستغل هذه الفرصة وتوحد الموقف العربي ,  لتكسب ثقة العرب بعد أن فقدوا ثقتهم بها .

أخيرا هذا لايعني أنني أدعو الى عدم وقوف العرب معنا كعراقيين بل أنني أرى وجود القوات العربية  سيعقد الموقف ويكسبه خطورة أكبر على الجميع كما قلت , و ليبدأ أخواننا العرب  بالوقوف معنا ودعمنا إعلاميا أولا,  وليفضحوا ما اقترفه النظام البائد بحقنا من جرائم تندى لها جبين البشرية , وليقفلوا حدودهم أمام مجرمي النظام الدموي , كبداية لفتح صفحة جديدة بالعلاقات العربية .

 

                                                        5-8-‏2003‏‏

                                                        لاهاي/هولندا