نافذة

حقوق الإنسان في العراق, الى أين؟ Print


                     حقوق الإنسان في العراق,  الى أين؟

        بلقيس حميد حسن                                    


     إن أي  قاريء للصحف العربية , والمتابع لأخبار العالم , يجد أن دماء العراقيين أصبحت  أرخص من أي شيء في هذا العالم الذي يفشل يوميا بإيجاد الحلول لوجع العراق وشعبه , كم مؤلم أن نرى على شاشات الفضائيات يوميا  أطفالا  تقطع أوصالهم تحت القصف ألأمريكي,  ونرى نساءا مقتولات وبيوتا تدمر على رؤوس سكانها , للأسف لم تكتمل فرحة أبناء العراق بسقوط الطاغية ولم يفرحوا بمحاكمة من قتل أبناءهم بعد حتى حصل  ما يحصل اليوم,  والذي  يشكل أكبر انتهاك لحقوق الإنسان,  لو حصل في بلد أوروبي أو أمريكي لقامت الدنيا ولم تقعد,  ولتراكضت هيئات الأمم المتحدة بكل فعاليتها لأيقاف النزيف وإيجاد حل ناجع  يعاقب المجرمين دون المساس بالأبرياء ولاكتشفوا مباشرة أساليب من شأنها الحفاظ على أرواح الناس وحقوقهم, لكنه العراق وشعبه الذي اهدر  دمه صدام حسين وحزب البعث سنينا,  حيث صمت العالم ,  وهاهو يصمت اليوم أيضا على ما يفعله الجيش الأمريكي ببعض مدن وأحياء العراق.
لست ممن يؤيد ما يسمى بالمقاومة  التي تفجر المستشفيات والفنادق ودور العبادة, والتي يقودها فلول نظام البعث ,  الذي أسس للعنف والكره والأحقاد والدمار , وخرب تأريخ العراق  وحاضره  ومستقبله , بل خرب تقاليد الإنسان العراقي وشوه حتى بعض قيمه,  ولست من مؤيدي السيد مقتدى الصدر ولست متحمسة الى أي تيار طائفي  يريد أن يجعل العراق إفغانستان  طالبان.
  ليس كل من يقف ضد المحتل هو نموذج الوطني الحقيقي,  وها نحن نرى ما تقدمه  حركة السيد مقتدى الصدر من صورة  للإنسان العراقي , صورة  لا يفتخر بها أي إنسان متحضر , فحتى ابن لادن وطالبان جعل في خيمة المرأة الزرقاء  شباكا للتنفس ولرؤية نور الله,  لكن السيد مقتدى الصدر أغلق على المرأة أي فسحة للتنفس ورؤية نور الله  وسود عليها كل صورة بالحياة , فأي مجتمع يمكن لمثل هؤلاء أن يبنوا , إنهم إن استلموا حكم العراق - لاسمح الله- سينتشرون بالشوارع لتنفيذ طقوس الذبح المقدس للنساء والرجال معا , فهذه  شعرها قد خرج من حجابها , وتلك ضحكت وهذه تكلمت مع هذا, وذاك قد باع الخمر وآخر قد شربه , وآخر كتب كفرا وحشر نفسه بالنصوص المقدسة  وهلم جرا حتى نرى الشوارع والدوائر قد خلت من جنس حواء وقد ساد قانون التخلف والبداوة, وقتل نصف الأدباء والمفكرين ,   والمقابر الشرعية  قد انتشرت على سنة الله ورسوله وبشكل علني دفاعا عن الدين ,  وعدنا الى مئات السنين نرزح تحت نير العبودية والجهل لنربي  جيلا لا يفهم سوى لغة العنف  وتطبير الرؤوس والزحف على الأرجل   بطقس رأيناه على شاشات الفضائيات مخجلا ومذلا للإنسان  , ستكون ثقافة العراقي  لا تتعدى كتب  القرون الوسطى  بين المقتل والمقتل , وبين الجامع والحوزة  , وسيقف الحرمان والكبت عائقا لوجود رابط الحب بين البشر لينمو بدله الغيرة والحقد والحسد والضغينة والنفاق , نعم هذه هي الصورة المرعبة لحقوق الإنسان  التي يريدها السيد مقتدى الصدر ومن لف لفه من السلفيين, و  التي ستنتهك بها حقوق الإنسان مئات المرات يوميا.
إن إسلوب العنف  لكل من يمارسه هو ضد حقوق الإنسان  , فالإحتلال الأمريكي يقتل الأبرياء يوميا من أجل الوصول الى الخارجين عن القانون , ولابد من العمل على إيقاف القصف العشوائي والعقوبات الجماعية التي تتنافى مع  كل الشرائع والأعراف الدولية وتطالب المحتل   بحماية حياة الناس وحقوقهم  وعدم المساس بها,  ولابد من  فعل شيء لإنقاذ الأبرياء من الوحشية الأمريكية التي اندلعت , بذات الوقت فإن   ما يخرج علينا به السيد مقتدى الصدر مدان وهو لا يخدم الإنسان العراقي , وأن التمردات الدموية  التي يشنها , تحضن بين صفوفها مجرمي حزب البعث الذين انكشفت خططهم السرية بكتب مخابراتهم التي تطالب البعثيين بالتخريب والنهب وحرق المؤسسات وآبار النفط ومراكز توليد الطاقة الكهربائية  والإنضمام للحوزة العلمية وللتيارات الدينية للنضال من خلالها ضد بناء عراق جديد ومن أجل عودة  ديكتاتورية البعث ودمويته.
قدرنا  أن  تضعنا رعونة حزب البعث الفاشي بمواقف محرجة أمام العالم , ودوما يضعنا أمام مقاييس الوطنية التي يتشدق بها زورا والوطنية عنده هو الولاء له,  لمجرميه والركوع لأفعالهم المنافية للإنسانية والسكوت عن إهدار حقوق المواطنين , واليوم يضعنا تحت هذا الخيار الصعب, ويتغلغل بين صفوف بعض الحركات العراقية ,  بصواريخه المخبأة وأسلحته وعتاده وبأملاك العراق التي سرقها من البنوك , حيث يدفعهم لتصرفات لا تخدم أي فرد عراقي ولا تخدم أي شبر من أرض العراق المليء بالمقابر والآلام على مدى السنين.
كما لا يمكنني  عند الحديث عن حقوق الإنسان العراقي , تجاوز الإشارة  الى حادث غريب هو إستقالة  السيد وزير حقوق الإنسان ,  في ظرف تنتهك به حقوق الإنسان على كل الأصعدة , وهنا أجد أن هناك  سوء  فهم لأهداف هذه الوزارة  , لأن من يريد الدفاع عن الإنسان  لابد وأن يبقى مصرا على الوقوف مع الإنسان المنتهكة حقوقه حتى الرمق الأخير,  وفي كل الظروف,  ونحن نرى باستمرار أن  ناشطي حقوق الإنسان في البلدان المحتلة ,  يقفون أمام دبابات المحتلين  ويعرضون أنفسهم للموت من أجل المباديء كما فعلت الناشطة الأمريكية التي سحقتها دبابة المحتل الاسرائيلي  وقد ضحى  الكثير منهم بحياته واستشهد لقيامه بهذا الواجب,  فكيف يستقيل من هو بمكانة وزير لحماية هذه الحقوق,  ويترك النار تأكل الهشيم , يترك المتألمين بأصعب الظروف والذين يحتاجون الى وقفة من أي نوع كانت تخص حقهم بالحياة والكرامة لتعيد لهم شيئا من أمل ضائع  .
إن ناشطي حقوق الإنسان لابد وأن يتسلحوا بالأمل لإيمانهم بحق الإنسان بالحياة مهما كان , ويفترض بوزير حقوق الإنسان أن يحمل ما يحمله المناضل من إصرار على المبدأ في سبيل  الإنسان,  فهو ليس كأي  وزير آخر,  وعمله غير  محدد  بإطار وظيفة عادية يستقيل منها متى شاء بل محدد بإطار خدمة الإنسان , لإنه يأخذ جانب الدفاع عن العراقيين  مهما كان جنسهم أو دينهم أو قوميتهم أو عرقهم, ولابد أن ينذر نفسه لهذا العمل المقدس والنبيل  بأحلك الظروف وأعسرها , إذ أن دوره يشبه دور المنقذ في الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر , فهل يستطيع هذا المنقذ ترك الجرحى تحت الأنقاض نازفة ليستقيل؟ وهو الذي يحمل الهم ّ الإنساني الأكبر,  إذن  لابد لكل من يمتلك القرار , إعادة النظر والتوقف أمام  كل  ما يجري  بالوطن , ولابد من تحمل المسؤولية مهما ثقلت , فالوطن والشعب بخطر , فمن  الواجب  تحديد ما يمكن فعله وتوضيح  الأمور قبل أن نحترق أكثر وأكثر بنيران لسنا بحاجة الى ألسنتها

12-4-‏2004‏‏