نافذة

بم َ نردع أهل الجريمة؟ Print

بم َ نردع  أهل الجريمة؟
                 
     بلقيس حميد حسن                                                                

هل لي أن اكرر صرخة العراقي" أبو تحسين" رافعا نعله ليهوي به على صورة الطاغية مختنقا بعبرته وهو يصيح :
هل تعلمون ما فعل بنا صدام , آه لو تعلمون.
تكررت  صرخات هذا الرجل البغدادي في أذني وأنا أتذكر قانون العقوبات البغدادي.........
المختصون  في شأن القضاء العراقي وحدهم , سيعرفون تلكم التسمية التي ارتبطت بمدينة بغداد, العاصمة المنتهكة  شوارعها  ومُشاتها  بهلع الانفجارات حتى بعد أن تجاوزنا شهور الفوضى,  حين كان لا قانون  يطبق ويسري,  ولا حكومة تقرر .
 اليوم نرى على شاشات القنوات العراقية مشاهد لأمهات شهداء , غارقات بالسواد , باكيات , منكسرات , يائسات إلا من دموع تنزل وجعا  , أمهات فقدن  فلذات أكبادهن  ولم يبق لهن سوى صور يرفعنها بألم , آه لو يعلم رجال العالم وسياسيوه ماذا يعني أن تفقد أم أبناءها, وآه  لو نستطيع أن نفديها بشيء من أعمارنا تخفيفا عن  بعض المواجع  وشيئا من الحسرات , ماذا بقي لهن بعد ؟
 فكأنها لم تحمل , ولم تنجب,  ولم تسهر ,  ولم تبك ,  ولم ترب , إنها  لفواجع هائلة  نراها يوميا , امتدت على أيدي البعثيين منذ مجيء حزبهم حتى ألان .
 انهم هم ولا سواهم , هم الذين يهيئون المأوى للقتلة وهم الذين يدلـّونهم , وهم الذين يمتلكون السلاح والمال , فأين يوم الحساب؟ وأين قانون العقوبات البغدادي ليطبق على هؤلاء الجناة ؟ وهل ما رأيناه  وأسعدنا من تحقيق ومحاكمة لبعض الجناة  في محافظة الكوت  مستمر وساري على كل المجرمين في كل المحافظات  ليكون الردع عاما وحقيقيا ؟  جرائم هؤلاء  ليست سياسية , إنما جرائم فساد وقتل متعمد بدوافع دنيئة,  وجميع قوانين العالم تضع اشد العقوبات لهكذا جنايات , فأين  دور القضاء العراقي  في ذلك ألان ؟ وحين الحديث عن مجتمع العدالة والقانون , فإننا  نتحدث عن التأسيس الأول لمجتمع يبدأ أولا بالخلاص من أدران  الجريمة بمعاقبة المجرمين  وبتعويض المتضررين, والخلاص من آثار الجرائم وسلبياتها, عندها يمكننا الحديث عن التوجه نحو بناء مجتمع يفهم معنى العدالة ويثق بمفهوم كلمة القانون ويطالب بها حقا , وحينما نتحدث عن كل هذا تلمع أمامنا صورة ألام العراقية التي ترفع يديها مشيرة بأصابعها الست بعدد أبنائها المقتولين على يد جلاوزة النظام الساقط ............
 من يتذكر هذه ألام  ؟ ويتذكر  صور المقابر الجماعية ؟ أليس القتل المجاني اليومي الذي يمر به العراق هو امتداد لذاك الموت ذاته ؟ وها أننا نرى ما لا يوصف وما لا نجد له مثيلا بالتاريخ مهما تشابهت الصور .  ونعود لنتساءل  هل يمكن أن نؤسس مجتمع العدالة والقانون دون أن يأخذ الجناة والقتلة حقهم من العقاب , وللمستهينين بحياة الإنسان وكرامة الوطن وأمنه ؟ وهل انسى وجه ذاك المجرم المتوحش الذي قلع بإصبعه عين أحد الشهداء؟

إن هدف العقوبات  في كل القوانين الوضعية والسماوية هو الردع الخاص والعام , أي ردع المجرم وردع الآخرين  عن ارتكاب ما يخل بالمجتمع وسلامة أفراده وبناءه , وكل مجتمع  يتعرض لما يتعرض له المجتمع العراقي اليوم لابد  وأن يعيد النظر بما لديه من تطبيقات للقوانين ,  ويؤكد على الكثير مما يسبب ردع  الجناة والمخربين , وقد كان لنا قانونا  يسمى قانون العقوبات البغدادي,  و كان يوما ما  قانونا محترما وعادلا قبل مجيء طغمة البعث للسلطة ليشوهوه بمواد  غريبة  لا تمت ّ للعدالة  وهدف الردع  إلا بما يعزز رعب الناس من السلطة  ويخيفهم  من المطالبة بحقوقهم الطبيعية , حتى اصبح  زمن صدام قانون رعب وهتك لحريات وحقوق الناس , حيث بلغت به الوحشية أن احتوى على  خمس وثلاثين  مادة  تقرر عقوبة الإعدام وهي مواد تدل على  قمة إرهاب للمجتمع  بشكل رسمي مكتوب علنا ,  وما خفي كان اعظم وأفظع .
واليوم نحن لا نريد هكذا قانون, إنما نريد اعتدال الميزان وردع مجرمي البعث  وسيـّافيه والوافدين بإرهابهم  بعقوبات تتناسب مع ما يرتكبونه من جرائم وهي لا تمت للسياسة بشيء .
 مهما حاولت أن أحيد بالوصف الجرمي  صوب حقوق الإنسان,  ومهما حاولت جاهدة  البحث عن سبب  واحد لاعتبار جرائم هؤلاء سياسية, أجدني افشل, إذ ليس هناك في تجارب التاريخ وسوابقه القضائية  من  أسباب تقديرية تخفف عقوبة من يذبح الأطفال ويقتل بالمجان , بل أن هناك أسبابا تشدد العقوبة على هؤلاء, الذين يغتصبون النساء ويقطعون أجسادهن لترمى في مياه دجلة, هدفهم الوحيد القتل وأحداث الفوضى لمجتمع لفظ اسم البعث ولاشيء سوى هذا السبب , مطبقين ما قاله صاحبهم صدام الذي علمهم القتل  حين استلامه السلطة: سيكون العراق لنا فقط , ولن يكون العراق بدوننا إلا  رمادا .
ربما سيقول القارئ , كيف تطالبين بعقوبات رادعة وأنت مدافعة عن  حقوق الإنسان والناس اعتادت على أن يطالب نشطاء حقوق الإنسان بالوقوف مع المتهمين دفاعا عن الحقوق المدنية لا أن يطالبوا بعقوبات ويذكروا بقانونها, أجيب على السؤال بان هؤلاء ليسوا متهمين انما مجرمون ثبت عليهم جرمهم بسيد الادلة الاعتراف, كما افهم حقوق الإنسان  وقوفا مع الضعيف والأعزل والخائف والمسكين والمريض  والمضطهد بلا وجه حق , افهم حقوق الإنسان هو عدم الإمعان بعقوبات لا تتوازى مع أفعال الناس , وافهم حقوق الإنسان دفاعا عن حريات الأبرياء من سياسيين لهم مواقف معينة أو اتجاهات , وافهمها على أنها الوقوف مع الشعوب ضد السلطات المتجنية والمغالية بالعقوبات حد التجاوز على الحقوق المدنية , وأفهمها على أنها احتراما لأسرار الإنسان الشخصية, دون المساس بجسد الجاني أو تعذيبه ,  وأفهمها على أنها تطبيق ما تعارفت عليه القوانين والمبادئ الإنسانية, بعيدا عن الثأرية والانتقام, أما أن يترك إنسان مجرم مسلح يقتل الأبرياء ويهرب ولا يعاقب , فهذا ما هو ضد حقوق الإنسان وانتهاك لها  وضد كل الأعراف الإنسانية والمبادئ الطبيعية , ففي العراق يكون الضعيف هو الإنسان الذي يـُقتل يوميا , الأعزل الذي يـُقتل بانفجار, أو يـُخطف ويهدد بعرضه ونفسه, الضعيف هو صاحب المحل الذي يسرق محله ويفجر, أو تدمر سيارته,  أو يجرح بسيارة مفخخة أو عبوة ناسفة  يضعها مجرم مدجج بسلاح غادر في طريق طفل أو شاب  بطريقه ذاهبا إلى العمل أو المدرسة ..
العدالة كما تعلمناها هي الحفاظ على الطفولة نقية ً لا تجرح أو تـُيتـّم أو تـُشرد , والعدالة هي الحفاظ على الأمان, دون اعتداء القوي على الضعيف, الحفاظ على ممتلكات الناس لا تهديمها وتفجيرها, العدالة هو أن ينام الإنسان آمنا في بيته لا يخشى  اقتحام مسلح له يقتله أو يسرقه, والعدالة أن لا تترك المجرم يعيث في الأرض فسادا , فهل قـُلبت موازينها لنترك الأعزل البريء يقتل يوميا وندافع عن المجرمين وما فعلوه باسم حقوق الإنسان ؟
أخيرا , استغرب من عالم اليوم الذي لا يحرك ساكنا والشعب العراقي يموت يوميا , استغرب من منظمات حقوق الإنسان العربية والعالمية التي  تصارخت واحتجت حين تعرض بعض السجناء في أبي غريب إلى التعذيب, وها نراها  اليوم صامتة أمام كل الذبح اليومي لشبابنا ونساءنا وأطفالنا وممتلكاتنا, أين المنظمات الإنسانية ليرفعوا أصواتهم ويساندونا ضد همجية  هؤلاء ؟ أين العالم وأين إخواننا العرب الذين يتبجحون بكلمة العروبة والنخوة والشهامة , وهاهي مدننا تـُستلب من قبل
البعثيين والإرهابيين وتزهق  أرواحنا في كل لحظة , وهم يتفرجون ؟

29-3-2005 ........