نافذة

أية أجندة لمستقبل العراق؟ Print

                                 أية أجندة لمستقبل العراق؟

بلقيس حميد حسن

                                                                
عندما أسرح بالخيال أحيانا وأسترجع ما يجري بالعراق , أتسائل مع نفسي هل حقا أن الكابوس المسمى صدام قد رحل ؟ وهل أن الشعب المقهور تخلص والى الأبد من عدي وقصي وعلي حسن المجيد وسبعاوي وسواهم من المجرمين والمرضى الذين عاثوا بالعراق فسادا وتقتيلا وأعادوا المجتمع الى الوراء؟لقد كنا نعتقد أن صدام سيبقى ابدا وأنه سيورث عدي وهذا يورث ابنه , وكان جميعنا تقريبا يائس من معجزة تسقط هذا الطاغية وأجلافه,  هنا أدرك الفرق بين عراق صدام وعراق بدون صدام, وافهم عظيم الفرح الذي يعبر عنه الناس بالعراق بأنهم تخلصوا من الطاغوت, ولكن , أخاف على وضع بعض القوى التي انستها  الفرحة, أو المنصب, أو المسؤولية, ما سيحصل مستقبلا بالعراق,  وهل يجب عليهم معرفة حقيقة السياسة الامريكية ام لا؟  فأتذكر هنا بيت شعر لأبي تمام حيث يقول:
ولـــــــــــي وطن آليتُ ألا أبـيـعه
وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
قال أبو تمام هذا حبا بالوطن , ولا يختلف اثنان على أن  كل شعوب الأرض تعشق أوطانها ولا تحب المحتل مهما كانت أسباب الإحتلال تلك ودوافعه, يذ كرني هذا البيت بما يحصل اليوم بالعراق إذ يتسائل الناس هذه الأيام عن ماهية الأجندة التي وضعها الجيش الأمريكي وحلفائه بخصوص العراق , وبدأ الناس يشككون بالوعود التي بدأت بها الحرب وصدقها الكثير  من القوى الوطنية العراقية, وصار الخوف من لعبة أخرى غير ما فكرت  هذه القوى التي وضعت ثقتها بالسياسة الأمريكية. وكل ما تكشفت للبعض  خلفية غير معلنة  وراء السياسة الأمريكية بالعراق كلما زادت خطب ولقاءات القادة الأمريكان لدى العراقيين,  لتهدئة الوضع الذي بدأ يقلق حتى واضعي الثقة بالولايات المتحدة أنفسهم .
لكننا للأسف ننسى بعض الحقائق التي تجيبنا  على الكثير من التساؤلات وتبعد عنا الحيرى التي باتت مزمنة لحياتنا الراهنة منذ مدة طويلة , حيث أصبحت المفاجئات السياسية, والغرائب  ما يشبه أفلام الرعب والخيال العلمي .
لو القينا نظرة على  أغلبية الأحزاب والقوى السياسة التي شكلت مجلس الحكم المؤقت بالعراق , من هي بالنسبة لأمريكا؟
نجد أنها نفس الأحزاب والقوى الشعبية الخيرة والوطنية حقا,  والتي رفضت غزو الكويت كبلد عربي جار وشقيق,  والتي انتفضت ضد الطاغية صدام حسين عام 1991 وبعد انسحاب الجيش من الكويت وهزيمته التي جعلت الجثث المتفحمة للجنود والضباط تملأ الصحراء , و أن من ساعد النظام الديكتاتوري بقهر هذه القوى وقبرها هو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها حيث اتفقت مع النظام بالقضاء على  ثورة الشعب بعد أن كادت هذه القوى أن تطيح بالدكتاتور وبعد أن تحررت أغلبية محافظات العراق عدا بغداد  وبعض المناطق المحيطة بها والتي بها عائلة الطاغية وأعوانه.
من هنا كان لابد لنا أن نستنتج أن الولايات المتحدة ما كانت يوما تهوى سلطة الشعب بقواه التي وضعتها اليوم بمجلس الحكم , فإن عدنا لتاريخ السياسة الأمريكية لوجدنا أنها لم تأت يوما بنظام ديمقراطي لشعب من الشعوب عندما تتدخل بإطاحة من قبله , فقد استبدلت سلفادور اليندي الديمقراطي ببينوشيت , واستبدلت مصدق الديمقراطي الشعبي بشاه ايران الديكتاتور,  فكم أخشى اليوم  على  مجلس الحكم منها,  وكم أخاف من نوايا امريكا وأخشى أنها تريد حرق هذه الوجوه, القوى ,  بوجوهها الظاهرة اليوم والمعبرة عنها بمجلس الحكم , لأن الشعب العراقي مثله مثل جميع شعوب الأرض لن يغفر مستقبلا لأي قوى تعاملت مع الإحتلال مهما كانت أسبابه ودوافعه , وبكل الأحوال فهذه المرحلة هي مرحلة الطواريء وإطفاء الحرائق,  التي لابد وأن تحترق بها طاقات وتشوه بها وجوه,  لأن الشعب العراقي لا يمكن أن ينسى مستقبلا  أن الأمريكان محتلين  رغم ما علـّقه عليهم من أمل كمحررين, خاصة والعراقيين جميعهم يحفظون قول نابليون بونابرت ( جئتكم محررا لا فاتحا)  ويسخرون منها, فهم يعرفون  ماذا تعني المصالح الأمريكية بالمنطقة والرغبة بالهيمنة على العالم والعراق إحدى المفاتيح ,  إن العقل العراقي هو عقل  سياسي مهما كان بسيطا  وذلك بسبب الظروف العصيبة التي مرت بتاريخ العراق قديمه وحديثه, وكم أخشى أن امريكا وحلفاؤها  عندما ينسحبون , سيأتون بحكومة تسّهل عليهم هيمنتهم على المنطقة, حكومة تستجيب لمطالبهم السياسية والأقتصادية, ولا أعتقد أن مجلس الحكم بقواه التي عرفها الشعب من اسلاميين ويساريين والذين  قدموا تضحيات كثيرة من أجل الوطن, مؤهلون للعب هذا الدور الذي تريده أمريكا, والذي من أجله  تتحمل  خسائرها الكثيرة من الأرواح والأموال.
أقول هذا لا لدافع,  سوى الخوف على قوى الشعب من الأهداف الأمريكية التي باتت معروفة لدى الجميع,  وهي الهيمنة على العالم , وفتح طرق موصلة لأخرى حسب جغرافية الهيمنة التي تضعها أمريكا,  فافغانستان أولا والعراق ثانيا وربما ايران ثالثا ثم سوريا ثم من يدري قد تكون السعودية او السودان أو لبنان , لكن حرب العراق حتما ليست الأخيرة في أجندة الولايات المتحدة الأمريكية.
 19-9-2003لاهاي /هولندا