نافذة

اليسار العربي يتودد للعمائم ويطلب رضاها Print

بلقيس حميد حسن
18-5-2018
حين أصبحت اسرائيل دولة واغتصبت فلسطين وتجاهلت كل صررخات العالم ورفضه للاحتلال آنذاك حيث كان
المد اليساري والانساني بالعالم يتظاهر بالشوارع حتى الصباح في ساحات برلين وباريس ولندن وموسكو ودول أمريكا اللاتينية والدول العربية وحتى في واشنطن تضامنا مع الحق العربي، يومها كانت اسرائيل دولة مكروهة عرفت بصاحبة أبشع المجازر والجرائم البشرية ضد الطفولة والبراءة بشكل سافر واشتهرت بمجازرهم ضد شعب فلسطين العربي .
وقد صُنفت الصهيونية كحركة عنصرية.
لم يكن آنذاك أحزاباً اسلامية في أغلب الدول العربية أو لم يكن لها أي دور رغم أن الشعوب العربية كانت متدينة على الفطرة، وحداثوية بالعقل والمنطق، ولم تكن متطرفة لجهة معينة، إنما كانت تقتفي أثر الحضارة الغربية وتراها قدوة بحيث ترسل ابناءها للدراسة والتحصيل العلمي لتبني الأوطان والأخلاق وكان أساتذة الجامعات الذين درسوا غالبيتهم في الغرب يغذّون طلابهم بالأخلاق القويمة التي اشتهر بها الغرب كالصراحة، والصدق، والالتزام بالمواعيد ،واحترام الرأي الآخر ، وعدم السكوت عن الخطأ.
وكانت المرأة العربية إمرأة مثقفة حضارية أنيقة وجميلة صاحبة شخصية قوية ومنطق ولم تتبع المودة والأزياء بجنون ولم تقلد ماتلبسه الراقصات الغجريات في الأفلام والمسلسلات.
وكان الرجل العربي يفخر بانتمائه، ويتصرف بشهامة بل يحرص أن يوصف بالشهامة والمروءة ونظافة اليد، ولم يلهث وراء المال والجنس كأغلى مافي الحياة، ولا يبيع نفسه لأجنبي محتل أو عربي ثري ، أو سمسار حقير، مهما بلغ به الجوع وكانت زوجته تسانده ليكون شامخا رغم فقره.
لم نكن نكتب كلمة الصهيونية وحدها إنما نردفها بالبغيضة دائما لأنها بغيضة حقا.
فبدأ برنامج الصهيونية يطبق على العرب، دعموا الدكتاتويين أولا ووضعوهم في جيوبهم لتفتقر الشعوب وتصبح تشحد الخبز من الملك، والرئيس، والقصر ، وحينما أصبح الانسان العربي كارها جوعه وتهميشه وصار رخيصا بكل المعاني الانسانية ، اشتروه عميلا وأغرقوه بالمال وقربوه من السلطة ليتسيد على أشراف قومه وأحسنهم، وكان النفط العربي الرخيص مساعدا للغرب ضد اليسار بعد أن خلقوا من الصحراء جنة استقطبت العمالة العربية وقد تملكها الغرب وتحكم بها عن بعد وطمس حتى لغة بعض ابنائها ، ثم دفعوا لإشعال الحروب وبسلاحهم، وكل قدراتهم وخبثهم أدخلوا البلدان العربية بجملة من الحروب المدمرة لبناها التحتية والفوقية، فحصل الانهيار والخراب في أغلب هذه البلدان حتى التي ماخاضت المعارك، وحصل خلل بالأخلاق بعد كل المتغيرات ضد الانسان العربي الذي لاناقة له ولا جمل في كل ماحصل.
وضمن خططهم أنهم دعموا تأسيس الأحزاب الدينية لمعرفتهم أن بالاسلام السياسي والتطرف الخراب الذي ما بعده خراب، وهم عارفون كيف يفصّلون التأريخ الذي درسوه واستقوا منه ماهو مؤثر على العقل العربي ، وذلك لتكوين تنظيمات مجرمة تغسل عقول الشباب وتشدهم الى الوراء والى عالم الوهم والزمن اللاموجود إلا في المخيلة المنهارة.
كان اليسار العربي آنذاك هو حربة الدفاع ضد الصهيونية وكانت الأحزاب الشيوعية العربية تضع في برامجها ومن أولوياتها محاربة الاستعمار ، فكان على الصهاينة القضاء عليهم بكل الصور وإفراغ العالم العربي من اليسار بدعم ودفع الدكتاتوريات لمطاردة كل يساري وفتح السجون وحمامات الدم لهم أو اغلاق دروب الحياة بوجوههم وطردهم غصبا وتحت طائلة الموت المحتم، فامتلأت السجون العربية بأشراف اليسار الذين أعدموا ونكل بهم كالشهيد المناضل مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان فهد ورفاقه فاعتلى المشنقة صارخا:
الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق عام 1949
واستمر نزيف اليسار العربي وفي عام 1959 طغت الدكتاتوريات العربية والأحزاب القومية المدعومة من الصهيونية بحقدها أكثر و ذوبوا بالأسيد المناضل الشيوعي وهو قائد في الحزب الشيوعي اللبناني السوري الشهيد فرج الله الحلو
أو الذين قتل منهم تعذيبا وصبرا وقطعت أوصالهم كما حصل لسكرتير الحزب الشيوعي العراقي المناضل سلام عادل عام 1963
وبقي اليسار مطارد في كل بلدان العرب وفي عام 1971 كان الشهيد المناضل السوداني والقائد العمالي العمالي الشفيع أحمد الشيخ محكوما بالاعدام من قبل النميري يعتلي المشنقة يهتف بحياة الشعب السوداني.
ورافقت وتلت هذه الأحداث ماهو أبشع حيث القتل تحت التعذيب المرعب لعشرات أو مئات الآلاف من خيرة رجال ونساء العالم العربي الذين قضوا في المعتقلات وحمامات الدم أو ماتوا وخذلوا واغتيلوا في المنافي والغربة القاتلة .
هكذا بدأ مسلسل تخريب العالم العربي وجعله صهيونيا ساكتا عن كل ماتفعله الدولة المحتلة اسرائيل.
وهكذا بعملائهم أشاعوا ثقافة الخذلان ولوم النفس واتذكر هنا مقولة لنعوم تشومسكي وهو مفكر يهودي فذ يقول مامعناه:
(إن أردت السيطرة على شعب ما ، إجعله يفهم انه سبب كل ما يصيبه)
وبهذا يكون الشعب المغتصب، لايعرف من هو عدوه إنما يفتش له عن عدو من بين أفراده ليلقي عليه اللوم ويحاربه وتشعل أنت ايها الصهيوني الفتيل الذي يجعل ذلك الشعب يقتل نفسه وأنت تقهقه فرحا بالنصر عليه دونما رصاصة واحدة من جيبك، إذ ستبيعه أنت الرصاص ليقتل أخاه الذي اتخذه عدوا بدلا عنك.
فجّرْ في لبنان واتهم سوريا، وفجّر ْ في المناطق الشيعية واتهم السنية أو فجّرْ في المناطق السنية واتهم الشيعية او في المناطق المسيحية واتهم الاسلامية وبالعكس ، وهكذا تنتصر عليهم وهم يموتون وأنت تبني مستعمراتك على انقاضهم.
هكذا استطاعت اسرائيل أن تفهم اللعبة
وهكذا وقع العرب بالفخ
وهكذا وبما يشبه ذات الطريقة تم إسقاط المنظومة الاشتراكية وكانت لسوء حظ العرب الداعم الوحيد لليسار العربي، رغم اعتراف التحاد السوفيتي باسرائيل إلا انه لم يكن موافقا على سياستها ولن يكن صديقها يوما ما بل كان ناقدا ومحرضا ضد سياسة اسرائيل وصديقا مخلصا للعرب.
وهكذا بلغنا ذروة التناقض وضعف اليسار إذ السلاح والقوة بيد الإسلاميين وإذ العقول العربية أقرب الى الاسلام من سواه بحيث نجح البرنامج الجهنمي وصار اليسار يتودد للعمائم ويطلب رضاها ، وتحكمت حكومة العالم الخفية بكل مقدراتنا بهذا العالم الذي أرادته الولايات المتحده على هواها وهوى اسرائيل وأسمته جديداً..