نافذة

معضلة فهم حقوق الانسان في العالم العربي Print

معضلة فهم حقوق الانسان في العالم العربي


بلقيس حميد حسن


أحدى مشاكل العالم العربي والإسلامي أنه لا يتعمق بمفاهيم حقوق الأنسان لأنه لا يعرفها ولم يمارسها أصلا، لهذا طالبت في أكثر من مقال ومنذ سنوات بأن تدرس مباديء حقوق الانسان في المدارس العراقية ولكن لا من مجيب كالعادة.
لا أنكر أنني أنا شخصيا لولا دراستي في كلية الحقوق، وعملي لسنوات طويلة في مجال حقوق الانسان ما استطعت فهمها وكيفية التجرد بالحكم على المظلوم والوقوف معه.
بكل بساطة أقول إن حقوق الأنسان تتلخص بجمل بسيطة هو أن المدافع عن الانسان لابد وأن يقف دائما مع الضعيف، والأعزل، والفقير، والمهمش، والمريض، مهما كان انتماؤه وبغض النظر عن أصله وفصله وعرقه ودينه وقوميته وطائفته، وعلى المدافع عن حقوق الإنسان أن تكون السلطة - أي سلطة أو حكومة - خصمهُ لأن حقوق الإنسان هي المراقب لأداء السلطة والباحث عن انتهاكها لتلك الحقوق، والوقوف بوجهها مع المظلوم، لذا وقفت كثيرا ضد وجود وزارة لحقوق الإنسان في العراق وهي مهزلة وفساد وقناع أراد البعض التقنع بها باسم الدفاع عن الإنسان، فلا يجوز أن يكون المدافع عن حقوق الإنسان في وزارة أو تابع لجهاز سلطوي ليكون متجردا من كل انحياز ومصالح ، ولا يجوز له موالاة سلطة ما والدفاع عنها.
إن وجود حكومات دكتاتورية ودينية وعنصرية في العالم العربي والاسلامي، يحتم علينا دائما الوقوف مع الشعوب والفئات المضطهدة والمتضررة والتي لاتمتلك ماعند السلطة من أجهزة قمعية ومخابراتية وأسلحة وسلطات تنفيذية قامعة للشعب وتمتلك وسائل إعلام وكل أموال الدولة تحت تصرفها، لذا يكون الحق مع الشعوب دائما لأنها المحكومة والمستعمَلة لخدمة السلطة غالباً.
للأسف أن العالم العربي لا يعرف معنى التجرد الإنساني وعدم الانحياز، لهذا تكون مهمة ناشطي حقوق الإنسان من أصعب ماتكون في حال كونها حقيقية وغير مشوبة بانحياز ومصلحة ما. لأن العالم العربي متعود على الاصطفاف لنوع واحد فقط فأما أن تكون معنا أو أنت ضدنا، وأما لونك أسود أو أبيض، وأما أنت مع السعودية مثلا أو مع إيران ودولة الفقيه، وهذه مأساة تضاف لمآسينا، وجهل يعقد الأمر على الشعوب ويبعدها عن حل مشاكلها وتشخيص سبب المصائب وكيفية التعامل مع المعتدي، ويرمي بها الى القهر والضياع كما يحصل في عالمنا اليوم .. 
أحببت هنا أن أبين موقفي من كل الاتجاهات وليعلم القاريء أنني أتجرد من كل انتماء فأنا لا أنتمي لفئة دينية أو طائفية أو قومية ولا عشائرية، بل أنتمي للانسانية الكبرى، ولي الشرف أنني دافعت عن كل الفئات المضطهدة والمظلومة في مجتمعنا طوال حياتي، فقد دافعت عن الكرد، والمسيحيين، والصابئة، والشبك، والأيزيديين، وبقايا اليهود العراقيين، ودافعت عن الشيعة، والسنة، واللادينيين، وكل المضطهدين في العالم ولم يتلوث قلمي أو يدي بالدفاع عن سلطة ما في حياتي، ومن يبحث عن كتاباتي ونشاطاتي سيجد ذلك، وكم عملت حملات ومناشدات وقدت تظاهرات من أجل الحق والوعي والإنسان..
وكما وقفت وأقف دائما مع حق الشعب الفلسطيني في حقوقه المشروعه ومع كل شعوب المنطقة التي تدمر بيوتهم وتقتل أبناءهم في صراعات لاناقة لهم بها ولا جمل حيث كل الحكومات دكتاتورية، أوعميلة ومشبوهة ، وظالمة، أجد نفسي أقف مع أية دمعة لبريء أو أية قطرة دم تراق لمظلوم ومطالب بالعدالة والحرية والمساواة، ضد كل أشكال السلطات وطغاتها مهما كان انتماؤهم..
للأسف أن الفكر السلفي والإرهابيين عقد الأمر علينا أكثر، وصار الخلط ممكنا بين أصحاب الحق والارهابيين، وصارت معرفة الحقيقة أمرا صعبا جدا واختلطت الأوراق بين ضعف إمكانيات البريء، وقوة إمكانية الإرهابي المدعوم من جهات أخرى خارجية أو داخلية، وقوة وسائل السلطات الطاغية غالبا، لهذا أصبحنا في مستنقع لانحسد عليه، وساد الاستهتار بمقدراتنا عبر سيطرة عالمية لعصابات وشركات بيع السلاح والمتاجرة بالموت وصناعته..
سنكون على الخط الصحيح في خياراتنا حينما نقف مع اصحاب الرأي مهما كانت آرائهم طالما يطرحونها بشكل سلمي وبدون عنف وتحريض على القتل لفضح الظالمين والطغاة ، وعلبنا أن نتذكر أننا في معمعة صعود الفكر الديني والطائفي وتشجيع عدونا لتلك التنظيمات التي تغسل أدمغة الشباب وتحيلهم كتلا متحاربة وطوائف تكره بعضها وليس لدينا أحسن من قول: 
لنتحرر من الانتماءات ولنعرف من هو مضطهدنا، وقاتلنا، ومهجّرنا، وسارق قوت اطفالنا، ومن هو المستفيد من موتنا وخراب بلداننا قبل أن ننتهي ونصبح بخبر كان وهذا قريب للأسف..