نافذة

حواء حينما تبوح. حميد المختار Print
[
حواء حينما تبوح



13/10/2013 جريدة الصباح

حميد المختار

رواية تهمس في ذاكرة الإنسانية عبر لغة شفافة وصافية، لغة قادمة من بوح شاعرة استطاعت عبر مسار حياتها الشاقة وترحالها الطويل أن تؤسس لها مدونة للألم منحتها هذه المدونة فرصة للدخول في أعماق النفس الإنسانية عبر ذاكرة الأنثى، انها الشاعرة العراقية المغتربة بلقيس حسن وروايتها ( هروب الموناليزا / بوح قيثارة). هذا الكتاب عبارة عن فصل من سيرة ذاتية للكاتبة ولنساء عرفتهن في طريق الحياة.
في البداية وقبل أن أقرأ الكتاب قلت في نفسي ربما عنّ لهذه الشاعرة أن تكتب رواية من وحي شعرها وتأملاتها ولغتها الشعرية التي قد تطغى على تدفق السرد وتعرقل حركته.. لكن وبعد ان بدأت في القراءة اكتشفت انني أقرأ رواية إنسانية وسرداً مكثفاً لكاتبة تمكنت من لغتها وحبكتها ومن ثيمتها وشخصياتها، الفرق الوحيد بين هذا وذاك انها قسمت الكتاب عبر فصول تقصر وتطول حسب اكتفاء الفكرة، وربطت كل هذا باوتار القيثارة.. انها موسيقى الذات الأنثوية المعذبة وهي تصارع في بحر تخلف وجهل وأخطار محدقة بها.. ثمة أنياب ومخالب وذئاب وعيون شرهة تحيطها من كل جانب ومكان.. وهي تحمل فيما تحمل من جسد ومفاتن, فضلاً عن الفكر التقدمي في مجتمع يرفض كل ذلك ويعتبره خروجاً عن سياق مجتمعي عشائري لايسمح بتعدد في الافكار والمعتقدات.
لهذا كله صارت المسؤولية عظيمة ليست على شخصياتها حسب وانما عليها هي أيضاً فهي الخالقة لتلك الشخصيات المستلبة ،استطاعت أن تعيدهن إلى الحياة حين رسمت لأقدامهن طرقاً وخطوات وأوحت لأنفاسهن بالشهيق والزفير والعودة من جديد إلى طريق عسير ممتلئ بالعذاب والحزن والألم والخوف..
كان ينبغي على بلقيس أن تكتب من زمن قديم ولا أدري ماهي ظروفها التي أخرت كل ذلك الخزين أن يخرج الآن عبر دفتي هذه الرواية الممتعة والجريئة.. أقول جريئة لأن موضوعة الأنثى في مجتمعاتنا الشرقية سيكون محظوراً ومحاطاً بشتى أنواع الرقابات الذاتية والعرفية، لا أحد يقبل أن يفتح كوة في غرفة مظلمة محاطة بسدود وجدران وأغطية سوداء.. ما فعلته بلقيس انها فتحت بكل جرأة وشجاعة تلك الثقوب وادخلت من ضياء وعيها الشيء الكثير وأخرجت حيوات بطلاتها تحت الشمس كاشفة عري الحقيقة الصارخة ورافضة عهر الذين يدعون الشرف وهم يختبئون خلف أحجبة دينية وقيمية فاسدة.
لقد سافرت بمتعة خالصة مع تلك البطلة المهاجرة التي انقطعت بها السبل بعد ان منعت من السفر وتركها زوجها مغادراً إلى بلاد نائية ومجهولة.. وصدقوني كأنني أعرف هذه البطلة حق المعرفة، فثمة الكثير من النساء اللواتي أحببن رجالاً في الخفاء وأخلصن لهم وبقين يعشن حياة سرية لاتصلها الأضواء، انهن مازلن ينتظرن إطلالة الرجل الوحيد في  حياتهن ليكملن معه مشاويرهن التي توقفن تماماً بالغياب والعزلة والحزن.
تحية لبلقيس وهي تفترش مائدة سردها وتبذخ بثمارها وفاكهتها وشكراً لها لأنها منحتنا فرصة الدخول إلى عوالمها لمتابعة حيوات أبطالها ومسيرتهم إلى نهاياتهم وموتهم.. وعودتهم ربما في بوح آخر.