نافذة

لمصلحة من يـُقتل الشيوعيون؟ Print

بلقيس حميد حسن

في هذا المقال أريد أن أضع ضمير أي عراقي ليحكم بالعدل ولو مرة واحدة, وليجب عن هذا السؤال, مهما كان انتماؤه ومهما كان ربـُه..

قبل كل شيء أحب أن أوضح للقاريء حقيقة أنني الان ومنذ اكثر من خمسة عشر عاما مستقلة ولا انتمي لأي حزب, لكنني انتمي للعراق وأهله , وأنتمي للحق ولا أستطيع ان أحيد عنه.

الحق يدفعني لان اقوله مهما كانت النتائج, فالحق واجب وهو المقدس الوحيد الذي تبنى به المجتمعات ان سارت عليه واحترمته, والحق ربي, وهو ايضا عند المتدين الحقيقي الله او روح الله. والحق يجبرني أن أمر الآن اثناء تساؤلي عن مامر به الشيوعيون منذ تأسيس حزبهم الى الان, حزبهم الذي أُ ُعدم مؤسسه الشهيد " يوسف سلمان"فهد" في العهد الملكي مع خيرة قادته والذي صعد على المشنقة هاتفا بايمانه بالانسان وبقاء الفكر الحر, وكان من أوائل شهداء الحزب, فهل وجدتم حزبا كان أول شهدائه هو المؤسس له؟

وتوالت بعد ذلك قوافل الشهداء من خيرة العراقيين. ففي كل مناسبة وطنية نرى أول الشهداء من الشيوعيين, حتى غدا وجودهم والوطن توأمين, فلا يذكر العراق حتى يذكر الحزب الشيوعي العراقي, ولا تذكر الانتفاضات والتضحيات والنضال والسجون الا وترتفع أمام أعيننا صور شهداء الحزب..

للشيوعيين في تاريخ العراق حصة الأسد من التضحيات, ولا مبارز لهم في تاريخ العراق في هذا الميدان قط, وهذه حقيقة تاريخية من ينكرها لا يرى بعينيه ولا بعقله.

ان جميع المنصفين بما فيهم بعض أعضاء الأحزاب الاسلامية التي جاءت بعد الحزب الشيوعي, والتي تعذبت على يد البعث ايضا, تعترف بان لا منازع للشيوعيين في ثبات الأخلاق الوطنية, ولا شبيه لهم بمواقف البطولة في الرزايا التي مر ويمر بها الوطن, وهم الأنزه والأكثر محبة, وهم الأوسع شمولا إذ في صفوف حزبهم كل أطياف العراق وكل أديانه وقومياته.. لا يجمع العراقيين سوى هكذا حزب, تخلصَ من الفوارق الطائفية والقومية والدينية وكل مايفرق البشر.

العراق اليوم أحوج للفكر الشيوعي او الليبرالي او الماركسي أو أية تسمية هي ليست بعيدة عن فلسلفة الشيوعيين, عاشقي الوطن والحرية والعدالة, عاشقي الحق. الشيوعيون تخلصوا من عقد التطرف والتخلف ودافعوا عن الطفل,  والمرأة,  والفقراء وعن العلم والطلبة وعن البناء والحضارة وعن الاستقلال والانفتاح وأحبوا بل ماتوا من أجل الانسانية والسلام العالمي . الشيوعيون دافعوا عن رقي المجتمع, عن الفن والأدب. الشيوعيون دافعوا عن القوميات المضطهدة وأعلوا شأنها وأوضحوا مظلوميتها. الشيوعيون دافعوا عن كل الطبقات المسحوقة, وعن سكان الأهوار, وكافحوا الأمية حتى في صفوف حزبهم رغم عملهم السري..

واليوم استذكر أول من غرس بعقلي الأفكار الماركسية, وهو ابن عمي المناضل الكبير المعطاء والانسان المليء بالحب "ناصر السنيد" الذي كان يعلمني ويشرح لي, وينورني, ويناقشني في ما أقرأ, فانحلت عقدة في عقلي, وانطلقت أبحث عن حرية الفكر مدركة أهمية العقل البشري..

الشيوعي الراحل "ناصر السنيد" كان  قضى سنينا من عمره في سجن نكرة السلمان وقصر النهاية كنت وأنا طفلة يرشدني لهذه الكتب. ويعلمني بأن الانسان أثمن من كل مافي الطبيعة, وان المقدسات تجمد العقل وتركنه جانبا, وهذا ماحصل لنا كعرب طوال قرون من الزمان.

وهنا أتذكر الشهيدة القديسة "موناليزا امين" التي كانت تقود رابطة المرأة العراقية في محافظة الناصرية, والتي رسخت عندي أهمية دور المرأة, فانطلقت بصحبتها وبتوجيهاتها أناضل بين صفوف النساء في تلك المدن الغافية بالفقر والقهر الاجتماعي..

كما أتذكر هنا الشهيد المناضل النبيل, الطيب والشريف, أبو كريم "مزهر هول الراشد" الذي استشهد تحت التعذيب في عام 1979وهو عضو محلية الناصرية, والذي قاد أول خلية نسائية في سوق الشيوخ .. كان المد اليساري والرغبة بالانعتاق سائدا في السبعينات, فكنا نتحدى وننجح ونعمل بسرية مكشوفة للكثيرين رغم الجبهة التي هي فخ وضعه البعث للشيوعيين..

لست نادمة لأنني كنت في يوم من الأيام شيوعية, صحيح انني نشأت في بيت مليء بالأدب والثقافة والمعرفة, وفتحت عيني على امهات الكتب وعلى حفظ مطولات الشعر من خلال والدي الشاعر المتنور والمثقف, وصحيح انني كنت أنهل مما في بيتنا من كتب النور لكن الحزب الشيوعي هو الذي حل عقدة عقلي وأرشدني لأتحرر من غيبيات تدمر المجتمعات وتخدر الشعوب وتقضي عليها, وأكبر دليل هو ماوصل اليه العرب اليوم من ضياع لكل شيء لأنهم ظلوا يدورون في صراع الغيبيات والطوائف واختلافات لأقوال وأحاديث عرب قالوها قبل أكثر من ألف عام بمجتمع الخيمة والبعير.. تحررتُ من كل هذا في الحزب الشيوعي. لكن فكري وروحي الطامح للدفاع عن حقوق الانسان بتجرد, لم يتوقف عند حدود التحزب فصرت أرى التحزب قيدا وتعصبا, ففضلت أن أكون مستقلة ومدافعة عن الانسان فقط, فتركت الحزب بارادتي ليس معادية له ابداً, بل شاعرة ان تحقيق مافي عقلي من طموح انساني لا يحده حدود.

واليوم أرى تكالب المتخلفين, والطائفيين, والمشبوهين, والبعثيين, والمرضى وكارهي الحياة من الاسلامويين وكل أعداء الحياة والوطن  يتنمرون على الناس, وأولهم المرأة, ويشيعون الخراب, ويريدون بالمجتمع العودة الى القرون الاولى, لينفذوا مايريده طمع الدول الكبرى والقوية التي لا تريد للعراق خيرا, فأجدني اتوجه للشيوعيين فأراهم , أطيب الوجوه الحاملة للخير, واكثرهم حبا للحياة والحرية, واكثرهم افتتانا بالسلام والمحبة.

أن شجرة الشيوعيين، واسع فيئها وإن لم تثمر بعد..ولا أجدني إلا أن أقول بصوت عالٍ:

كل عام والشيوعيون بخير, كل عام والفكر الحر عاشق الوطن والناس والمحبة بألف خير ...

27-3-2012