نافذة

حوار مع الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن Print

حوار مع الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن

                                                                                   أجرى الحوار: محمد الحوراني
  

بالرغم من التزايد اللامعقول في عدد الشعراء العرب داخل الوطن العربي وخارجه ، إلا أن المتابع للشعر والمهتم به يكاد لا يجد ما يقرأه ، وإذا وجد قصيدة أو بعض قصيدة صالحة للقراءة فإنه يحتاج إلى خبير لغوي ليفك ألغازها ويجعلها ممكنة الفهم ، الأمر الذي أدى إلى عزوف الجمهور - وإلى حد بعيد - عن الشعر، بل جعلهم يجنحون إلى أنواع أخرى من الأدب ففقد الشعر بريقه بعد أن كان في يوم من الأيام هو المحرك الأساسي لمعظم مفاصل الحياة . ومع هذا فلا يزال المهتم الحريص يجد بين الفينة والأخرى شاعرا أو شاعرة تحمل على التفاؤل وتعيد الأمل إلى النفوس .

وهذا هو حال الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن ، هذه الشاعرة التي لم تتطفل على الشعر تطفلا كما هو حال الكثيرين ، إنما نشأت وسط عائلة شعرية في محافظة ذي قار- العراق ، حيث كان والدها شاعرا وكان يلقنها وأخوتها ألفية بن مالك وبعض عيون الشعر العربي ، الأمر الذي أعطاها قوة في اللغة والأسلوب فبدأت بكتابة الشعر منذ صغرها ونالت العديد من الجوائز وهي في المرحلة الثانوية ، هذا قبل أن تترك بلدها وتبقى لبعض الوقت في لبنان ، ومن ثم تتجه لسورية فتدرس الحقوق في جامعة دمشق ، مغادرةً إثر ذلك وطنها الذي طالما دغدغتها مشاعر الشوق بالعودة إليه ، ولم يكن الشعر هو الصنف الأدبي الوحيد الذي استحوذ على فكر بلقيس ، فقد اهتمت بوضع المرأة وحقوق الإنسان ، كما عملت في العديد من المنظمات الديمقراطية والإنسانية ، وكتبت الرواية ، كما كانت أول امرأة يتم ترجمة أعمالها إلى اللغة الهولندية ، لغة بلد إقامتها . وهي تستحق أكثر من ذلك لأن قارئ حوارها هذا يدرك عمق الثقافة والفكر الذي تحمله ، ويدرك أن هذه الناقدة والشاعرة واحدة من شاعرات ، طالما حلمنا بالقراءة لهن والاطلاع على نتاجهن .

                                                                     

*يصف الشاعر عز الدين المناصرة شعراء قصيدة النثر بأنهم ميليشيات حزبية ويتضامنون مع بعضهم إلى درجة الديكتاتورية البوليسية ومع هذا فقد استطاعت قصيدتهم  أن تصمد وتثبت وتقنع بشعريتها عند كثير من التجارب الشعرية رغم خطورة ما أقدمت عليه من عصف بالمرجعيات الشعرية داخل اللغة الشعرية المتوارثة.برأيك ماهي الأسباب التي ساعدت قصيدة النثر على الصمود والثبات،وهل تعتقدين أن ثمة مستقبلا لهذه القصيدة؟

• إن الحديث عن قصيدة النثر يطول,وسأقول رايي بصراحة وأنا مدركة أنه سيغضب الكثير من الناس ويسبب لي مشاكل كثيرة , لكنني كعادتي لااستطيع أن اسكت عما أنا مؤمنة به مهما كان الثمن الذي سأدفعه,  فالحوار حول قصيدة النثر لم يحسم حتى الآن- وإن كان بعض شعراء النثر يكررون أنه حسم لصالحهم, لأن الصحف والمجلات العربية تعج بنصوصهم وتفضل على غيرها من القصائد  وهذا ايضا له اسباب قد  نأتي عليها  – لكننا الآن بصدد صمود قصيدة النثر.
• * أنا لست ضد قصيدة النثر, فانا كتبت العديد من قصائد النثر الى جانب القصائد العمودية والتفعيلة,  لكن العرب  ومنذ اكثر من الفي عام تعارفوا واعتادوا على قول الشعر بأوزانه المعروفة لنا ببحورها التي كتبها الخليل بن أحمد الفراهيدي ,  حتى غدت قانونا والعرف أهم مصادر القانون وهذا أمر منطقي ,  فبات الوزن والأيقاع على مدى هذه الاعوام  من شروط الشعر وبات قانونا له, وقد كنا مرتاحين لهذا إذ أن هناك على الأقل فرقا بين الشعر والنثر , بين الشعر والفلسفة , بين الشعر والخزعبلات,  وسواه .أما الآن أصبح الموضوع أكثر صعوبة والتصنيف أكثر تعقيدا حيث قصيدة النثر لم تعد تختلف عن النثر, لكننا ويجب أن نعترف بهذا الواقع وهذا الجديد الذي لابد منه , ويجب أن لانكون كلاسيكيين الى الحد الذي نصادر به تنوع الفنون الأدبية التي أوجدها الزمن لكننا بنفس الوقت لا نستطيع أن نسمي القصيدة الحديثة شعرا عندما لايكون لها حسا شعريا أوضربة شعرية على حد قول الكاتب محمد حسين الأعرجي ,والذي يسمي شعراء النثر نثراء لأن من يكتب الشعر شاعر ومن يكتب النثر ناثر فلماذا نسمي طه حسين كاتبا ولانسميه شاعرا وعنده من عذوبة الكتابة ماهو أجود من شعراء النثر الذين نقرأ لهم الآن ؟
• * إن ترجمة  بعض عيون الشعر العالمي بإسلوب جميل من قبل بعض المترجمين المتمكنين من اللغة واستعذاب هذا النوع من الشعر من قبل الجميع,  إذ هو أدب خالد  وجميل بكل المقاييس كقيمة أدبية وإنسانية ونقله الى كل لغات العالم , جعل قصائد النثر تصمد لأن هذا الشعر المترجم والذي تحول باللغة العربية الى قصائد نثر أعطى قصيدة النثر بعضا من الشرعية للإنتشار والبقاء , وصار التقليد له أعمى وقد كان هومن أسباب كسر  تفعيلة الشعر كما نعرف,  حتى أن بعضهم صار يسرق من قصائد شعراء أجانب ليترجمها وينسبها لنفسه مع قليل من التغيير وهذا شائع في أوروبا لذا ترى أن شعراء الحديث يتزايدون بشكل مذهل وعجيب.    
• إن أحد أسباب استمرار قصيدة النثر هو جودة بعض قصائد النثر واحتوائها على حس إنساني, شفاف , جذاب , محبب للروح  ومتميز تناول العديد من قضايا المجتمع  وخصوصياته, رغم أن قصيدة النثر  أصبحت ملجأ لكل من لايملك القدرة على كتابة الشعر  بشروطه ومقوماته الكلاسيكية, ,كأن  يأتي شاعر لايفهم من أوزان الشعر بحرا واحدا ولايستطيع أن يكتب بيتا  به شيء من الموسيقى, ويكتب نثرا  ويوزع الجمل على الأسطر جزافا , ليس به أي ابداع ولايضيف لك  أي شيئا سوى أنه يخرب  ذوق القاريء ويسرق وقته,أي اصبحت كدار العجزة التي تستهلك ولاتعطي  لذا ترك بعض الشعراء قصيدة النثر وعادوا لكتابة شعر التفعيلة أو العمودي وأنا منهم  _إلاقليلا_ إذ رأيتها هَزُلت ,  لكن بقائها مرهونا بجودة بعض القصائد وبعض شعراء النثر يكتبون قصائد رائعة على سبيل المثال لاالحصر مايكتبه الشاعر بسام حجار,والشاعر وعبد اللطيف اللعبي والشاعرعلي الدميني وغيرهم الكثير,  لكن للأسف أكثر  شعر النثر  اليوم سيء ولا إبداع فيه أبدا وأنا أتفق مع الشاعر عز الدين المناصرة بذلك وعندي أمثلة كثيرة على أنهم ينشرون لمن لايعرف الفاعل من المفعول به ولايفقه من الشعر سوى مايسطر من جمل فوق بعضها لاتغني ولاتفيد وأحيانا يكون المسؤول عن النشر كما في إحدى الصحف العربية الصادرة في المهجر شاعرا  معروفا- ظلما وعدوانا-إذلاينشر لشاعر إلا إذا كانت قصيدته حديثة أما قصائد العمودي والتفعيلة فممنوعة في صحيفته,  والظاهر أن لديه عقدة وزن وقافية فهو لم يكتب بيتا واحدا موزونا ولم يحفظ له الناس بيتا واحدا من المحيط الى الخليج,  وشهرته جاءت عن طريق هذا الأسلوب الذي يذكره الشاعر عز الدين المناصرة ,   بصراحة هناك سيطرة للرداءة ليس في الشعر أو السياسة  والتجارة والفن بل في كل حياتنا حيث الرداءة تمثل السلطة والمال , وهذا مايهدد مستقبلنا كأمة ,خاصة وأنني  أرى أن  القصيدة اليوم لابد أن تكون خطابا واضحا, فاضحا, جارحا في آن , إنهم فعلا ً ميليشيات متضامنة مع بعضها وبوليسية, ثم أن هناك أمر شائع بين صفوف كتاب قصيدة النثر هو أنهم يكتبون قصائداً عنوانها اهداء لشاعر مشهور او شخصية لها وزنها بالمجتمع وهذا أخطر مايكون إذ هو تغطية للرداءة لايستطيع أحدا الوقوف بوجهها إذ أن العنوان يشفع,  أما خوفا أو إحتراما فتتصدر القصيدة أفضل الأماكن بالصحف والمجلات ,أعتبر هذا خداعا وتدليسا في مجال الأدب وحينما يذكر أسم هذا الشاعر (المدّاح) يقولون إنه شاعر( مهم) وهذا مصطلح شائع بين صفوفهم,  ولاأدري من أين جاءت الأهمية والجمهور يسخر حينما يسمع اسمه ولم يقدم للقاري سوى كلمات لايبق منها في الذهن كلمة واحدة, وقد تشعر عند قرائتها بأنك تكره الأدب وتكره القراءة والكتابة التي مكنتهم من نشر هذه الرداءة ,  وتتمنى لو لم تعش بهذا الزمن , فاين هم من  الشعر الذي يأخذك بعذوبته ويطير بك بغير أجنحة لعوالم الخيال , يسقط الندى على روحك فتشعر براحة,  وتشعر بالحب للجميع ؟أين هم من شعر بشارة الخوري وايليا ابو ماضي وجبران خليل جبران ونزار قباني وأحمد شوقي ؟ ألم يكتب المتنبي أو جبران أفكارا فلسفية في شعره لكنها بإطار الشعر المعروف والمحبب للروح؟ حتى غنته فيروز وأصبح ناقوسا أدبيا سيبقى رنينه مادمنا نسمع ؟,أين هم من الشعر الوطني الذي نحن بحاجة له الآن  والذي يشكل خطا تنظيميا لوحده حيث يثـّور الجماهير ويدلها على الطريق كشعر محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد ؟ , أين هم من شعر السيـّاب الذي جعل جميع البشر تحب أرض ونخل العراق بعد أن قرأوه؟  , حتى الجمهور الأوروبي الذي لايبكي بسرعة  لأنه لم يفقد شيئا ولم يتعود الحرمان , بكى عندما قرأت  أمامه الشعر الذي تناولت به  الحنين للوطن وقبل أن تقرأ أمامهم الترجمة قالوا أن الموسيقى بشعرك  تدل على الحنين  لكل ماهو أصيل,  وطيب,  ونبيل  واعترفوا لي بأنهم ماكانوا يوما يعرفون عن الشعر واللغة العربية هذه الدرجة من الرقة ,  فهل يستطيع شعراء النثر الذين يملأون الصحف والمجلات كلمات متقاطعة لانستطيع فك رموزها أحيانا فعل ذلك ؟ وماذا ينتظرون ليفعلوا لو يستطيعون؟
• كما أن لهم من النقاد الذين  يكتبون ويطبلون,  ولهم من الصحفيين  الذين يغطون كل همسة لهم , وكل شاردة وواردة . وهناك صحفيين بعضهم يتصرف بماهو مضحك مبك في آن,  فعندما يكون هناك شاعر قصيدة نثر سيئة قد اشترك في مناسبة ما معي , يصعد هذا الشاعر على المسرح ولاأحد يفهم منه شيئا ولاأحد يدر متى انتقل من قصيدة لأخرى , لكنه يكتب عنه شيئا مذهلا مبالغا به بشكل لايصدق يدعوك لأن تشك عمن يتحدث , وحينما ألقي أنا قصائدي وتضج القاعة بالتصفيق ويطلب الجمهور مني إعادة الأبيات ويتحلقون حولي لأخذ القصائد , يمر على إسمي بتغطيته الصحفية  مر الكرام ,أو هو يتجاهل هذا الوجود ويتجاهل إعجاب هذا  الجمهور الغفير  واهتمامه بشعري بل وتفضيله على سواه!! حتى أن الناس يعجبون من هذا ويقولون أنه حسد وغيرة. الحمد لله أنني لن أطلب شهرة ولامال, إنما الشعر مني كالنبض يتوقف بتوقف قلبي عن الخفقان والزمن كفيل بالحكم العدل كما علمتنا التجارب, حيث مات بدر شاكر السياب, فقيرا, مذموما ,لم يمش في جنازته أحد وهذا يكفي .
•   أتفق مع القائل بأن  أساليبهم هذه غير مشروعة ويجب أن تحارب كما تحارب بقية الجرائم حفاظا على الأدب وعلى جمهوره ,  طبعا لدي العديد من الأمثلة على ذلك.بصراحة أخي محمد أنك تفتح جرحا لم يندمل بعد أحمله معي , ينكأ كل يوم,  ولدي عنه المزيد  لكنني واثقة أنه أخيرا لايصح الا الصحيح  وستذهب هذه الرداءة وقد ذهب قبلا ماهو أحسن منها من نظم وأحزاب,  وقوضت مجتمعات وهذا ليس غريبا بزمن نراه يركض بأحداثه ركضا وكأن الأرض تسير لنهايتها,  سأكتفي بما قلت .
• *يبدو أن ظاهرة الغموض قد سيطرت على الشعر العربي الحديث سيطرة كبيرة،لابل إن أحد كبار النقاد العرب  يرى" أن قدرا ً من الغموض ضروري للشعر الجيد " ألا تعتقدين أن هذا الغموض في الشعر هو الذي أدى إلى عزوف القارئ والمتلقي العربي عن الشعر، وأوجد حالة من  الفصام النكد بين الشعراء وجمهورهم؟ ما الطريقة المثلى للرجوع بالشعر العربي إلى ما كان عليه؟
نعم , وهذه إحدى المصائب في الأدب العربي , التي جعلت هناك هوة كبيرة بين الانسان العادي  والمثقف وكأن المثقف جاء من كوكب آخر لايجب أن يفهمه الأخر من  أبناء جلدته , الآخر الذي نكتب من أجله , لقد أصبح الغموض مقيتا وهم يدافعون بقول أبي تمام حين قرا يوما قصيدة لم يفهمها البعض قالوا:
 لم تقول مالايـُفهم؟
 فقال: ولم أنتم لاتفهمون؟
 وكأن هذه المقوله أصبحت قرآنا يجب أن تطبق على جموع القراء المساكين , وكأن أبو تمام منزل من السماء, وهو الذي قالها بزمن آخر,  وبظروف أخرى, وبمفاهيم إجتماعية أخرى,  وأمام جمهور ليس ببعيد عن الجاهلية ولغتهم هي العربية الفصيحة ذاتها,  إذن لماذا لايفهمون؟  , وقد أصبحت هذه المقولة سيفا علينا وواجبا عليهم تطبيقها ,وكأنما يجب علينا أن نقول طلاسم حتى لايفهمها الجمهور وحتى نستشهد بقول ابي تمام. لاأعلم  لماذا لم يستشهدوا بقول محمود درويش,  الأقرب لنا الذي يعيش بزماننا,  وبظروفنا الحالية,  وأقرب لفكرنا اليوم حين يقول:
قصائدنا بلا لون
بلاطعم
بلا صوت ِ
إذا لم تحمل المصباح
 من بيت الى بيت ِ
وإن لم يفهم البسطا معانيها
فأولى أن نذريـّها ونخلد نحن للصمت ِ
اليوم نحن بحاجة الى وضوح بالطرح وبحاجة الى صراحة جارحة فمم نخشى ونختبيء وراء الكلمات ونحن بوضع لانحسد علية , حيث بلداننا مهددة, ووجودنا كله مهدد كأمة ؟ لماذا نختبيء وراء الطلاسم والغموض ونحن بحاجة لمن يقف أمام الخطأ ويصرخ بوجهه ليثور الناس ويقول كلمة حق تسير وراءها الملايين ,؟ لماذا كان الشاعر والخطيب في زمن الثورة الفرنسية بطلا يقود الجماهير ليحطم سجن الباستيل والشعراء والخطباء العرب زمن الأستعمار الذي طردته شعوبنا حين كان العرب يغنون (بلاد العرب أوطاني) أو زمن الدولة العثمانية حيث القصيدة التي مطلعها:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب ××××× فقد طغى الخطب حتى غاصت الركب
 ونقبع نحن وراء كلمات لاتشبع من جوع ؟ ونريد من الشعب والجماهير احترام أدبنا وقراءتنا وهم لايعلمون مانريد؟
نحن كعرب الآن نمر بمرحلة تشبه المرحلة التي تمر بها  فرنسا قبل ثورة 14 تموز بل وأتعس فأراضينا مستعمرة, وشعوبنا مقهورة, وخيراتنا منتهكة. أو ربما نشبه وضعنا أيام الدولة العثمانية لكن  الدكتاتوريات عربية وليست عثمانية( تعددت الأسباب والموت واحد) ؟
 إذن الأجدى بنا أن نصرخ ونستنهض الشعوب العربية للتحرر وتحطيم القيود . نعم  أنا أحمـّل هذا الشعر الغامض والرديء قضية عزوف القاريء عن الشعر, بحيث أنهم أصبحوا يعبرون الصفحات التي تحوي الشعر أو يمرون عليها بملل.وحيث  إن عزوف القاريء عن الشعر له آثار سلبية كثيرة على إتجاهات القاريء وعلى ثقافته الروحية, وكما نعلم أن الأدب والفن هما من أغذية الروح التي ترتقي بذوق القاريء وبالتالي بطموحاته الشخصية , وحينما لايملك الفرد هذا الأرتقاء الروحي نرى أن طموحاته ونظرته للحياة لاتخرج عن إطر وضيعة لاتتعدى اللهاث وراء المال بإي اسلوب كان,  وهذا الذي نراه في مجتمعاتنا من محاولات الحصول على المال باسهل الطرق وعدم إحترام مايملكه الفرد من ثقافة وشهادة والنظر فقط لمالديه من مال,  هو إحدى صور الوضاعة والجوع الروحي للفرد , وهذا بحد ذاته كارثة اجتماعية مرعبة.
ثم أننا نكتب من أجل الأخر وحينما لايقرأنا الآخر أو لايفهمنا  مافائدة مانكتبه؟ وهل نكتب رغبة بالوجاهة وعلوا على الآخر؟
• أن  الشعر الجيد يوجد بالضرورة الغناء الجيد , فإذا افترضنا أن كل الشعراء تركوا كتابة شعر التفعيلة أو العمودي ماذا سيغنى المغني أو ماذا سيجد الملحن  ؟ لايمكن أن تلحن قصيدة حديثة إذ لاوزن ولاموسيقى بها إذن هل سنبقى نغني لشعراء العصر الجاهلي والعباسي والأندلسي والعصور البائدة التي لاتشبه عصرنا هذا ولاواقعنا المعاش؟
•  من هنا كان لابد لنا من صرخة أو نداء للشعراء لنقول لهم الى هنا ولنعد خطوة للوراء للنظر ماذا فعلنا وماهو تأثير ماكتبناه على مجتمعاتنا وماهو معنى الجيد من الرديء , وكما أن السياسي مسؤول عن ما يحدث في الشارع العربي أعتبر أن الشاعر مسؤول أيضا  عن ذوق الأنسان العربي وبالتالي توجهاته, فكل يبني بمجاله, خاصة  ولدينا  الآن معضلة في كتابة الأغنية العربية ومانسمعه من رداءة الكلمات التي تغنى بأيامنا هذه , والشكوى التي يطلقها بعض المغنيين الذين يبحثون عن كلمات جيدة ولايجدونها  هو أكبر دليل على ماأقول.وقد قلت أن الفن كما الأدب  غذاء هام للروح.

*ينظر الكثير إلى الحداثة على أنها جوهر عملية الإبداع ، وليست شيء طارئا على الشعر كما يزعم البعض ،إلا أن الملاحظ أن بعض الشعراء الذين أخذهم بريق الحداثة نسوا موروثهم الثقافي والحضاري ،ولم يعيروا تراثهم أي اهتمام ،كيف تنظر الشاعرة بلقيس حميد حسن إلى مسألة الحداثة الشعرية ،وماهي طريقتها في التعامل معها، وهل بإمكان الشاعر أن يبدع بعيدا عن أصالته؟
• لاتوجد نتيجة بدون سبب ولايوجد فعل  بلا دافع ومن المفترض أن الحداثة جاءت لتعبر  عن التغيير الحاصل بالمجتمع , أقر بهذا  على صعيد المنطق  , لكن لو عدنا لمجتمعنا العربي فأين هي الحداثة التي تستحق أن تزلزل الشعر بهذا القدر وبهذا العنف الذي يفقدنا الجماهير ,  والتغيير الحاصل عندنا لايتعدى بعض ادوات كهربائية مستوردة أو مجمعة فقط وبعض اساليب حياة أخذناها تقليدا للعالم المتحضر من مظاهر خارجية لاتدل على التطور الحق والحداثة ؟, أين الحداثة والعالم العربي لازالت نسبة الأمية في صفوفه تتعدى نصفه ؟
•  أين الحداثة ولازلنا لانعرف الديمقراطية حتى بالحوار وهانحن نرى على شاشات التلفزيون الشخصيات المرموقة بعالمنا العربي من سياسيين ومثقفين لايعرفون حتى إسلوب الحوار الديمقراطي ويقاطع بعضهم بعضا ويسب بعضهم الأخر ويتحول الحوار الى شجار لاتملك  إلا أن تتمنى الصراخ  بوجوههم  كطلاب المدارس الأبتدائية أن صهوا  لقد أخجلتمونا .؟
• أين الحداثة في حياتنا لتنعكس على الشعر ونحن نرى الرجل لازال بأغلب البلدان العربية يتاجر بأبنته أو اخته أو قريبته وهو الذي يختار لها الرجل الذي ستعيش معه غير مكترث بما سيكون من  هذا الأبن الذي سينتج عن زواج لاعلاقة للحب والتفاهم به , هذا الأبن الذي نريد منه الإحساس بالكرامة والشجاعة ,  وهو يرى أمه خائفة من أبيه ومن أبيها ومن أخيها ومن كل شيء وكأنها متهمة دائما  , مهزومة , ضعيفة لاحول لها ولاقوة ولاقرار , ؟أين الحداثة في عالمنا  العربي الذي لازال يقر ويعمل بقوانين كتبت قبل 14 قرنا من الزمان حيث  مجتمع الخيمة والبعير ؟
•  الأدب أوالفن في أي مجتمع يتأثر  بالتكونات الأقتصادية الأجتماعية فيه ,وعليه كان من المفترض أن تكون مجتمعاتنا  بلغت حدا يسير بالأدب والفن نحو الحداثة أوتوماتيكيا ,  لكننا مازلنا بنفس السائد من العلاقات الأقتصادية والأجتماعية  منذ قرون,  تحكمنا نفس القوانين وتسيرنا ذات التقاليد ولازلنا نقتل إمرأة بريئة للشبهة فقط وبلادليل  دفاعا عن الشرف, لازالت الحكومات تتكون في أغلب بلداننا إن لم نقل جميعها على أساس قبلي لكنه مغطى بإسلوب( على المودة), ولازالت السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية لم تنفصل في بلداننا لتضمن حقوق الفرد, لازلنا لانعرف عن حقوقنا شيئا والذي يطالب بحقوقه يسمى معارض ومشاكس وربما عميل,   إذن اين الحداثة التي أجبرت الشعر على أن يخلع ثوبا ويلبس ثوبا آخر؟ سيما ونحن على قول الشاعر الكبير  مظفر النواب: لازلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حدّ السيف
•  إذن ستكون الحداثة جوهر لعملية الأبداع حينما تكون هناك حداثة حقا وليس قشورا لانعلم  الى أين  ستوصلنا ؟وها هي  بعض بلداننا تعيش  زمن الأستعمار ولايجب أن نتنصل من مسؤولياتنا ونريح أنفسنا ونقول إنه طمع بثرواتنا ومصالح دول كبرى,  إنما هو هذا وذاك والجميع يساهم حتى إن بالصمت الجبان وهو إحدى مصائبنا. ولايمكن للشاعر الحقيقي أن يتنصل  من موروثه ومن أصالته وإلا سقط باسرع مايسقط البناء بلا أساس  وهاهي نتائج هذا التنصل نحصدها اليوم ونراها على صفحات الجرائد, قبحا منفرا بل مؤذيا لنا ولأذواقنا وابتعادا لجماهير القراء ووقوفهم بصف اللاثقافة بل وتهميش دور الأدب والفن . 

*من المعروف أن الشاعرة بلقيس حميد حسن قرضت الشعر وشاركت في الكثير من الأمسيات الشعرية كما نالت العديد من الجوائز وهي في صباها،واليوم نجد أن بلقيس تتوجه نحو كتابة الرواية والسؤال الذي يفرض نفسه هو:  هل تعتقدين أن زمن الشعر ولى وأن الرواية غدت اليوم ديوان العرب كما يقال ،وهل ثمة قواسم مشتركة بين الشعر والرواية؟
* لم أبدأ بكتابة الرواية لسبب سوى إحساسي بالحاجة لأن أقول أشياء كثيرة لاتقال شعرا,ولكل فن شيمه وسماته,ولاأريد أن أتحدث عن الفرق بين الشعر والرواية لأنه حديث يطول ونحن بصدد حديث أخر ,  هذا لايعني أن الشعر فقد مكانته أبدا هاهو الشعر يجد له جماهير حتى من شعوب أخرى, وها أنا  لن يمر شهر واحد  في هولندا إلا وأدعى من قبل إحدى الفعاليات الإدبية والثقافية لألقاء الشعر أمام جمهور غفير يصفق لي بإعجاب ويطلب المزيد ويقولون أن هذا لايحصل عادة مع شعراء آخرين, حتى في العديد من  الكنائس دعيت إذ وجدوا بشعري الكثير من الروح الأنسانية الشفافة التي تتمشى مع كل المعتقدات الأنسانية بدون تمييز , الشعر حينما يكون رسالة صادقة من قلب شاعر موهوب  , لايمكن أن يفقد مكانته , لكن الذي حصل وكما تحدثت أن طغيان الرداءة- وكالشر- هي التي دعت البعض لهذا القول,وهي التي مهدت له فعلا. 
*من المعروف عنك اشتغالك بقضايا كثيرة إلى جانب كتابة الشعر والرواية،مثل الاهتمام بقضايا المرأة وحقوق الإنسان والديمقراطية،ألا تعتقدين أن انشغال الشاعر بغير الشعر ،لاسيما الفكر والسياسة، من شأنه أن يؤثر على نتاجه من حيث النوع فضلا عن الكم ؟
الشاعر بلا قضية كطالب علم أميّ ,لابد له من تعلم القراءة والكتابة ليستمر في طلب علمه,  إذ إن كل  الآداب والفنون وكل ماأفرزته الحضارة من علوم أنسانية هي لصالح الناس , وحينما يكون وجود الناس مهددا  , يبطل كل معنى لهذه العلوم وتصبح عبثا وجنونا فرديا سوف يسقط وينهار من تلقاء ذاته, فالناس وما تتطلبه قضاياهم هي التي تصنع البقاء لهذه الفنون أو الآداب,  وماالأدب الخالد إلا الذي تناول القضايا الأنسانية الباقية على الدوام والتي لن تتغير بتغير الزمن كالحب , الوطن, الحرية,  وسواها مما يخص صميم الروح الأنسانية وانفعالاتها وحاجاتها الأصلية. والأنسان بلا موقف وعقيدة يصبح دابة تسير على قدمين وليس أربع , إذن مرحى لهذا التأثير على شعري إن كان لصالح الفكر والأنسان , كما أن النتاج الأدبي يقاس بالنوع لابالكم فكم من شاعر اشتهر بقصيدة واحدة وآخر لم يعرف اسمه له عشرات الدواوين , فالشاعر ابو القاسم الشابي مات بعمر 25 عاما,  ليس له العشرات من  دواوين الشعر,  لكن هل هناك عربي لن يحفظ ويردد (إذا الشعب يوما أراد الحياة×× فلابد أن يستجيب القدر )؟ والله أنني أجده قد اشتهر بهذا البيت فقط رغم أن لديه غيرها من القصائد  الجميله  .  إذن الفيصل هو مانعطي للناس ومايمس صميم حياتهم فلاينسوه ابدا , وهم الذين يخلدون هذا الشاعر أو ذاك .

*أخيرا ما هو تقييمك للمشهد الثقافي العربي  ،وكيف تنظرين إلى واقع الشعر في العالم العربي؟
أعتقد أنني أجبت أخي محمد على هذا السؤال ضمنا , فمن يقرأ اللقاء سوف يجد الأجابة حتما ولكم جزيل الشكر

نشر الحوار في مجلة افق والعديد من المواقع الالكترونية