نافذة

أفضل خيار للعرب, يعرفونه ويحرفون عنه Print

أفضل خيار للعرب, يعرفونه ويحرفون عنه
                                                             بلقيس حميد حسن
يجد الباحث في التاريخ الحديث للشعوب التي استطاعت ان تحقق الشيء الكبير من العدالة وحقوق الانسان والاطمئنان, ان أغلب هذه الشعوب  قد انتقل من نظام اقتصادي واجتماعي لآخر مختلف عنه, ومن افكار فلسفية لاخرى لا تشبهها, حيث ان الهدف من كل التغيرات هو ايجاد النظام الأمثل الذي يحقق الرفاهية لهذه الشعوب ويرضي جميع فئاتها بجو من الأمن والسلام. ولنا مثال على ماقامت به اوروبا حين استطاعت ان تفصل الدين عن الدولة وابعدت رجالاته عن المواقع السياسية الرئيسية. وهذا مانحتاجه اليوم حيث ان غالبية الاحزاب مؤسسة على اساس ديني وطائفي او قومي, فالعقلية العربية لازالت تعيش صراعات القرون الماضية, تؤججها الحكومات التي كثيرا ما تستأثر بها عائلة او اغلبية من طائفة بعينها دون الاخرى, أو احزاب قومية وطائفية تدعي علمانيتها كحزب البعث, يستثنى من ذلك الأحزاب الشيوعية المقموعة, والمهمشة, والمحاربة من قبل رجال الدين بشراسة في عالمنا العربي والتي لم تحكم يوما, حيث تضم هذه الاحزاب كافة القوميات والطوائف والأديان ولا تهتم للانتماء بقدر اهتمامها بمطالب الشعوب, وهذا ليس دعوة للاحزاب الشيوعية, فلست من مشجعي الانتماء الحزبي في المجتمعات العربية مهما كان ذلك الحزب بسبب من عقلية الانسان العربي التي استبدلت الانتماء القبلي بالانتماء الحزبي وبذات الطريقة, وقد كتبت عام 2005 في ذلك مقالا بعنوان" العرب من القبلية الى وهم الاحزاب"
ان اغلب الاحزاب المساهمة في العملية السياسية في عراق اليوم هي اما أحزاب اسلامية طائفية, او قومية وهذا يجعل اي حزب منها يفرض اجندته الجانحة نحو طائفته او قوميته اكثر من سواها, لتستولي على أهم وأغلب المراكز الحكومية فينتشر الفساد وهذا ينطبق على لبنان ايضا.
الحل هنا يحتاج الى شجاعة من شخصيات سياسية تتحمل مسؤوليتها امام التاريخ, تبدأ بتغيير جذري لصالح الشعوب التي دمرتها الحروب والصراعات لعشرات السنين وشاع اليأس في نفوس ابنائها كشعب العراق ولبنان نتيجة للفساد, والتطاحن, والمحاصصة التي تضع الانسان غير المناسب مكان الانسان المناسب في كل شؤون الحياة العامة للناس.
الحل يحتاج الى سياسيين أفذاذ, من الوطنيين الصادقين والزاهدين بالمصالح الخاصة, ينادون بابعاد الدين عن السلطة وتفكيك الاحزاب والتيارات التي تأسست على أساس ديني أو طائفي أو قومي أي حلـّها ومنعها في دساتير الدول العربية, فلم يدمر لبنان سوى المحاصصات الطائفية التي تقودها تلك الاحزاب والتيارات, والعراق يحذو حذو لبنان فمن حكم دكتاتوري فاشي قومي وطائفي يتخفى تحت اسم الاشتراكية والديمقراطية الى أحزاب طائفية وقومية بشكل علني تحشر العراقيين في دوامة المحاصصة وتفضيل مصالح حفنة من السياسيين الفاسدين على حساب مصلحة الشعب.
ولايمكن فصل الدين عن السلطة دون سن قوانين وضعية نابعة من حضارة اليوم واستبعاد ماعداها, خصوصا في مجال الأحوال الشخصية وحقوق الانسان المدنية, أولها حقوق المرأة التي تخضع لخلافات بين رجال الدين, حيث كل مذهب أو رجل دين يفتي بما يراه اجتهادا, والمجتمع هو الضحية من هذا الاختلاف, وان تتناسب هذه القوانين مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها غالبية الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
ان اكبر دليل على العقلية الطائفية لجميع الحكومات العربية هو مانجده من استئثار أية طائفة تتسلم السلطة وقمعها لغيرها من الطوائف, وان كانت اكبر منها فماجرى في عراق صدام يؤكد ذلك وهو كذلك بعد سقوط صدام فقد استبدلت المواقع الطائفية, وماجرى ويجري في البحرين والسعودية من سيطرة الطائفة الحاكمة يؤكد ذلك ايضا, و مايجري في سوريا لن يختلف, مثلما لايختلف عما يجري في دول عربية اخرى لايسع المقال لطرح همومها في هذه الوقفة القصيرة.
ان الثورات العربية لابد وان تقوم ضد العقلية العربية الجامدة, وهذه لا تتغير باسقاط  تلك الحكومات فقط - رغم ان اسقاطها ضروريا- فهي لن تتغير بسنوات قليلة ولمجرد اطلاق الحريات واختيار السلطات بالانتخاب وبفصل الدين عن السلطة ايضا, انما لابد من بناء نظام اقتصادي واجتماعي يضمن للانسان الحياة الكريمة الحرة, نظام لم يجربه العالم العربي في تأريخه, يقوم على كسر القيود والأطر التقليدية في حياة شعوبه, وأفضل نظام اقتصادي حر استطاع القفز بحياة ووعي البشر هو النموذج الاوروبي الذي امتاز بالضمان الاجتماعي والصحي الذي يدفع أبناء العرب من اجله الغالي والنفيس ويغرق بعضهم في البحار والمحيطات, من اجل تلك الضمانات العظيمة التي ترسخ انسانية المرء وتجعله آمنا على مستقبله ومستقبل ابنائه, مثلما تعلمه التعايش السلمي مع جميع البشر لا على أساس الانتماء, انما على أساس المواطنة وذلك بالمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية, عندها ستتغير تدريجيا مفاهيم وعقلية الانسان العربي حينما يشبع, ويأمن, ويرضى, ولا اعتقد ان اي دين يتنافى مع العدالة والتكافل الاجتماعي الذي تؤمنه الضمانات التي لابد وانها ستدعم من المؤسسات الدينية بأموال ٍ تذهب من دور العبادة والمقدسات, الى صندوق الضمان الصحي والاجتماعي, ليكون كل مورد مالي في المكان الصحيح, وليس في جيوب الفاسدين من رجال الدين, والدائرين بدائرتهم من المسؤولين والمنتفعين.
10-7-2011