نافذة

أمة ٌ تسترُ أمراضها ولا تعالجها Print

                                          
  بلقيس حميد حسن 
حين يتناول أحد المدافعين عن حقوق الانسان واقع الشعوب العربية ويعكس حال غالبية هذه الشعوب المزري احيانا, معتمدا تقارير عالمية من تقارير المنظمات والهيئات الحقوقية والانسانية, تغلي دماء بعض ابناء هذه الشعوب عليه غضبا, ويصبح الشتم والاتهام هو الرد الغالب, حتى لو كان هناك معطيات واقعية عن وقوع كارثة  مثلما حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة" الفاو" عن وقوعها في السودان, وحتى لو عرضت جميع شاشات التلفزيون يوميا افلاما وثائقية عن الجوع والتشرد وفقدان ابسط  متطلبات الحياة البشرية لفئة كبيرة من السودانيين نراهم في أسوء الظروف فنبكي ألما حيث هم محرومون من حقهم في الغذاء والمسكن والخدمات والتعليم والرفاهية التي تتمتع بها شعوب وامم اخرى, وبالتالي هم بعيدون عما انتجته الحضارة الحديثة ليكونوا خارجها.
وهكذا يتناسى بعض السودانيين من العاصمة ثلاثة أرباع شعبهم الذين يعيشون في القرى وفي الصحراء، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مواصلات غير الحمير والجمال ولا مستشفيات ومع ذلك يدافعون عن وطنهم كونه من البلدان الحضارية, كأنما كاتب المقال جيش أمريكي على وشك أن يحتل ارضهم.
حينما يدافع احد عن الشعوب العربية ويعكس واقعها بكل صراحة ووضوح ليتم معالجة المشاكل الغارقة بها والتي تتجاهلها حكوماتها, يتم الهجوم عليه من قبل البعض ويتهم بشتى الاتهامات وأولها العمالة والانتهازية وبيع الضمير وما الى ذلك, في حين كل ما دفع المرء طوعا لهذا هو الشعور بالأخوة الانسانية والرغبة بالدفاع عن كل بني البشر وتمني الخير للجميع دون مصلحة ولا مقابل, وبسبب ترسخ فكرة خاطئة مفادها اننا أفضل بلدان العالم واكثرها حضارة, نرى ان الدفاع عن المظلومين وكشف الواقع المؤلم ينقلب الى تهمة وجريمة لدى البعض.
ان كان المثقف العربي لازال يعصب عينيه عن الحقيقة وكأننا في العصور القديمة ليتبجح بكمال حياته وحياة شعبه, وبحضارة سحيقة اصبحت اليوم محض ماض تركنا نياما ورحل,  سوف لن تحل أية مشكلة من مشاكل عالمنا الغارق بافكار وتقاليد القرون القديمة.
ان كان العراقي يقول بان أهل العراق أطيب وأحسن الناس, ولا يعترف بما خلفته الحروب والدكتاتوريات والصراعات الطائفية والاحتلال والعنف من فساد وخراب للاخلاق, وتشريد للأطفال, والسقوط في الرذيلة, وانتشار الرشوة, والسرقات, وتفشي الأمية والبطالة, وازمة السكن, والحرمان من الخدمات الحياتية وانتشار الامراض .. وجملة لاحصر لها من المشاكل الاقتصادية الاجتماعية, التي يستنكف البعض الاعتراف بوجودها او الخوض بها تحت ذريعة سمعة الشعب والوطن, حتما ستتفاقم هذه المعضلات وتبقى حضارة العراق التي  نتفاخر بها مجرد تاريخ ندرسه في الكتب, بل يصبح الحديث عنها نفخة كاذبة.  
ان غياب ثقافة حقوق الانسان لدى العرب, والتزامهم بالاقليمية وقيم البداوة  والعشائرية الضيقة التي بدأت تنتعش في السنوات الاخيرة لغياب الدول الحضرية, يجعلهم يستنكرون على عربي ان ينتقد دولة عربية لاينتمي اليها وكأننا في زمن حرب داحس والغبراء, بل يجعلهم يهينون المدافع عن حقوق الانسان طالما هو ليس من رهطهم وقبيلتهم معتقدين ان العداوة دافع وحيد لمقاله الذي يرونه تشهيرا بهم وليس دفاعا عنهم, وهذا اخطر مايكون على مجتمعاتنا العربية, اذ يصبح البحث في المعضلات عيب, فالعربي لا يرضى ان يقال عنه جائعا ولو مات من الجوع, والعادات العربية لا ترضى ان نذكر النسبة الغالبة للأمية بين صفوف ابنائها. 
اننا - مع الاسف- أمة تعشق الفخر والخطابات الحماسية والاطراء وتكره النقد ونحفظ اكثر مانحفظ من شعر المتني:
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي .. وأسمعت كلماتي من به صمم ُ
رغم ان الكثير من اشعار المتنبي مليء بالحكمة, لكننا نحفظ الفخر وتمجيد الذات اكثر.
وهكذا نحن لا نقبل ان نرى نواقصنا, نكتم صرخاتنا كي لا يقال عنا بأننا ضعاف, ولا نفضل ان نضع الاصبع على الجرح لنوقف النزيف بل نتركه يسيل ليقتلنا.
هكذا نرجم المدافعين عن حقوق الانسان بالاتهام والشتم ونرميهم بما شئنا, ليبقى لنا صيت حسن كما يقول اهل العراق" صيت الغنى ولا صيت الفقر"
يعني لابد للفقراء ان لا يطالبوا بحقوقهم حتى لا يوصموا بالفقر, وكأنه عيب, وليتستر الفقراء باسم الغنى وان ماتوا جوعا, فأي مثل سيء هذا؟ واي تقليد متخلف لا انساني يريدون تكريسه في العصر الذي لا يحمي من لا يعرف حقوقه.
يُستفز العرب جميعهم وبكل البلدان حينما نقول مثلا ان مانسبته اربعون بالمائة من الشعوب العربية من الأميين, ومانسبته اكثر من سبعين بالمائة لايستخدم النت واغلبية الشعوب العربية لاتعرف استعمال الكومبيوتر ولا تمتلكه, ويستنفر اهل بعض البلدان الخليجية مثلا حينما يقول علماء الاجتماع ان نسبة كبيرة من النساء غير سعيدات ومصابات بحالات نفسية بسبب معاملتهن كأقل من البشر, وامتهان كرامتهن بالممنوعات الكثيرة باسم التقاليد مرة, وباسم الدين ثانية, ولا زال عقل المرأة في السعودية - رغم غناها غالبا- موضع نقاش بين رجال الدين او المشايخ لتكون ممنوعة من قيادة السيارة, وبنفس الوقت ممنوعة من الجلوس لوحدها مع السائق, وممنوعة من شراء موبايل دون موافقة محرم,  وممنوعة من السفر بدونه. وكل هذا ينعكس على المجتمع وتربية الأبناء الذين يقضون اغلب اوقاتهم مع الخادمات, وجملة مشاكل اجتماعية تتشابك فتنخر بصحة المجتمع وتقضي على سويـّة الفرد.
لذا فان العالم العربي لا يمكن ان يتقدم مادمنا نعيش بنفوس الزمن الجاهلي ونتفاخر باننا الأحسن دون ان نثبت كيف. اخيرا اتمنى ان لا ننسى ما يردده غالبيتنا وهو:
"ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم"
فمتى نغيـّر ما بأنفسنا لنلحق بركب الحضارة التي خلفتنا وراءها؟......... 5-6-2011
www.balkishassan.com
________________________________________
هنا قائمة بنسبة استعمال النت في كل دولة عربية حسب احصاء 2009
الجزائر 18.30 ملايين 6.2%
السودان 4.01 مليون 7.6%
السعودية 9.27 مليون 34.7%
العراق 3.22 مليون 12%
 الإمارات 1.77 مليون 35.3%
سورية 1.9 مليون 5.94%
تونس 1.87 مليون 13.7%
الكويت 724 ألف 26.2% 
الأردن 694 ألف 12.9% ... /
لبنان 617 ألف 15.8%
اليمن 337 ألف 1.3%
عمان 288 ألف 10.2% ... /
فلسطين 246 ألف 7.9% 
قطر 222 ألف 28.3% ... /
ليبيا 851 آلاف 13.84%
البحرين 157 ألف 21.2%
الصومال 90 ألف 0.7% ... /
موريتانيا 21.7 ألف 0.9%
جيبوتي 10 آلاف 1.1%
مصر  11.48 ملايين 15.6% 
المغرب  14.27 مليون 42.8%