نافذة

لا صدى لصرخات السودانيين Print

              بلقيس حميد حسن
في بلد كثر عطاء ارضها الأصيلة, حتى سميت سلة غذاء العرب, وكادت ان تكون سلة غذاء العالم, تضيع اليوم  صرخات الجياع والمشردين في صحراء لا نهاية لها, حيث لا صدى يبلغ عن المعاناة هناك..
هناك, حيث الصحراء جارة لا تعرف كرم الضيافة, يهرب اليها الالاف خوفا على أرواحهم وأرواح صغارهم من صهيل الرصاص والموت الذي لا يرحم ولا يهدأ منذ عقود.
هناك  حيث لون البشرة أديم الارض, لون ينطق بالأصالة ويصيح بوجه كل متجبر ومتعال ٍ انتهك حق المساواة بين البشر, ذلك اللون الشامخة عتمته بمطلب الحق بخيرات أرضه الطالع منها كأشجار السدر الصامدة ضد الحر المهلك والتصحر, الواقفة بوجه الجفاف وقسوة بيداء شحّت.
هكذا قــُضي َ الأمر ُ ليحتل السودان ظالم بعد آخر, فمن جعفر النميري المرعب الى البشير المتعصب, ومن دكتاتور يمص دماء الشعب, لدكتاتور يعشق الصراعات والحروب ليخرج بعصاه مهووسا بالوعيد والتهديد.
البشير, ذلك الدكتاتورالذي اراد الاختلاف عن اخوانه حكام العرب بصفة او تقليد يخصه ليكون قناعا يخبيء وراءه كل طغيان على شعب فقير لا زالت اغلبيته لا تعرف من ابتكارات الحضارة الحديثة أبسطها, فكان القناع هو عدم وضع صور الرئيس البشير  في أية دائرة حكومية, ولا في شارع ولا تماثيل لسيادته ابدا, البشير منع صوره وتماثيله موهما الشعب - كما أوهم الجميع بداية - انه يخاف الله ويخاف يوم الدين وبأنه في قمة التواضع والزهد والعدالة والخشوع للسماء.
عدم نشر صوره في اي مكان من السودان كان الكذبة الشبيهة بكذبة القذافي التي افتضحت وبانت سوأتها, حيث ادعى القذافي ولا زال رغم كل ما احدثه من قتل ودمار وسرقات بأنه ليس برئيس, انما هو مثل أي فرد ليبي, وهو المجاهد والمناضل وحامي حمى الليبيين, ومثله كان البشير يضحك على ذقون ابناء شعبه فيوهمه بالتقوى, ليزيد من التلاعب بمقدراتهم, وكأن صوتا خفيا بداخله يخيفه من يوم موعود يهب فيه ابناء الشعب ليحطموا تماثيله وصوره, فبادر هو الى اتخاذ اللازم بدون عناء الشعب السائر الى الكوارث الانسانية والموت جوعا بأسرع ما يكون.
أين الضمير العربي والعالمي مما يجري في السودان؟
أين غيرة العرب وسلـّة غذائهم  صارت حجرا يرجم أهله وينثرهم كالعهن المنفوش في صحراء تمتصهم يوميا واحدا بعد آخر بلا صدى لصرخاتهم وأنينهم الضعيف جوعا وهزالا؟
وهل سيكشف شعب السودان زيف  بشيره الذي عاش طوال فترة حكمه على الصراعات بين ابناء السودان. من الواضح ان انفصال الجنوب السوداني الذي أ ُجبر عليه البشير  قد سحب البساط من تحته, حتى صار اقرب الى الافتضاح, فلم يبق امامه سوىالاستمرار باشعال الحروب ليبقى له الكرسي,  وهكذا كان البشير قد استفاد من تجربة صدام حسين باشعال الحروب والهاء الشعب بها لادامة حكمه, مثلما استفاد من زيف القذافي ومن رحل قبله من حكام ٍ لم تأسف شعوبهم عليهم بل هي غير راغبة إلا بغيابهم الأبدي؟
واليوم ها هو السودان, يزحف الغبار والأتربة عليه ايذانا بخراب المناخات القادمة, وايغالا بوجع أرواح بريئة لا تجد حفنة قمح بطريق بحثها المتواصل, بعيون غائرة  صوب الأرض التي قحلت ودخلت سنوات الأياس العجاف, لا من خلال عمرها الطبيعي, انما باغتصابها ثم قطع رحمها حربا وجهلا, فلا ثمر يولد بعد, وليس سوى كلمات يعزون بها انفسهم فيرددون قول العذراء مريم حين فقدت وحيدها:
 الرب أعطى, والرب أخذ, وليكن اسم الرب مباركا.
هكذا بالصراعات والجهل واغتصاب الحقوق, أضاع العرب سلـّتهم وأهلكوا الشعب الناطور, فلا سلة عنب أكلوا ولا ناطور حقل أبقوا. لا سلة غذاء للشعب السوداني, والجوع كافر, فأين العرب وأين العالم  من هذا؟.
26-5-2011