نافذة

الازدواجية وحق الكرد في تقرير مصيرهم Print

الازدواجية وحق الكرد في تقرير مصيرهم


في ذكرى مجزرة الانفال

بلقيس حميد حسن

كم اعجبُ واستغربُ من خوف الكثيرين من مبدأ تقرير المصير للشعب الكردي, وهذه الازدواجية التي يتعامل بها غالبية العرب مع القضية الكردية. فغالبية العرب من ليبراليين وغير لبيراليين, يؤمنون بحق الشعوب بتقرير مصيرها, وكم يستعملون هذا المبدأ في الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني وقضايا القوميات المقهورة تحت رحمة قوميات اخرى اكبر منها, لكنهم عندما نناقشهم في حق تقرير المصير للشعب الكردي نراهم ارتبكوا, وتغيرت لهجتهم في النقاش, وصبغت وجوههم بلون التعجب والرغبة في تخويننا وغيرها من علامات عدم الرغبة في سماع حق الشعب الكردي بتقرير مصيره وتأسيس دولته المستقلة على تراب أرضه التي انجبته منذ قرون.
عجبا لهؤلاء, ولحد الآن ليس هناك أية حجة تجعلهم يصرون على هذه الازدواجية, فهل هو مرض عربي من أمراضنا العربية المنتشرة عبر التاريخ؟ مثل رغبة السيطرة على القوميات والأديان التي تعيش بين ظهرانينا والتي هي اقل عددا من العرب الذين  لم يستفادوا من اكثريتهم سوى بانتشار الفقر والجهل والظلم؟ وكما يحصل اليوم مع المسيحيين والصابئة المندائيين والايزيديين وسواهم والذين يراد ابادتهم لا لسبب فقط لانهم لا يدينون بديانتنا او هم لايتحدثون لغتنا كالكرد الذي حاول صدام ابادتهم بكل الوسائل المتاحة له فكانت الفواجع التي لاتنسى مثل مجزرة حلبجة والانفال التي نعيش ذكراها المأساوية هذه الايام.
هل هي رغبة متوارثة في الجينات العربية من السيطرة على أمم وشعوب وأراض بنزعة توسعية تعلمناها باسم الفتوحات ورسخت في دواخلنا واهملناها حتى تمكنت منـّا؟
هل هي ازدواجية متأصلة في النفس العربية مثل ازدواجية النظرة الدونية  للمرأة واحتقارها والتسلط عليها والتلاعب بمقدراتها رغم كونها الأم التي أنجبت وربت وتعبت وضحت والتي يتفاخرون برضاها ويوصوا بها بالكتب والوصايا دونما تطبيق؟
أم هي شوفينية غرستها فينا الاحزاب القومية التي سيطرت على مدارسنا وافكارنا لعقود طويلة من الزمن؟
لماذا نطالب بتقرير المصير لشعب فلسطين ونؤمن تماما انه حقهم ونستعد للتضحيات من اجل ذلك المبدأ, لكننا بالمقابل ننكر على الشعب الكردي حقه في تقرير مصيره على تراب ارضه؟ فان كان الموقف من الفلسطينيين كونهم مسلمين فنقف معهم ضد ديانة مختلفة للمسلمين معها مواقف عدائية في التاريخ العربي, فالكرد مسلمون فلماذا هذا الموقف منهم وعدم الاعتراف لهم بتقرير المصير؟
وان كانت الحجة هو المزيد من النفط الذي تطمع فيه الحكومات المتعاقبة على العراق سببا لاضطهاد وتشريد وقتل شعب بالكامل, فهذا هو رب الظلم والعدوان الذي يمارسونه مع الكرد ويرفضونه لشعوبهم وهذا ايضا أحد امراضهم في الطمع بأموال الشعوب على حساب حياتها وتضحياتها, ثم ان العراق الغني بالنفط في حقوله المنتشرة والجديرة ان تبني الدولة بأحسن بناء متطور وحديث لماذا لم يحصل ذلك يوما حينما كان العراق واحدا بعربه وكرده واقلياته, مسيطرا عليه من قبل حكومات عديدة كان اغلبها ديكتاتورية تمتلك كل ثروات البلاد والشعب وبكل مكوناته من الشمال الى الجنوب حتى صار قدر العراقيين الجوع المزمن فبكاه السياب قائلا :
"مامرّ عامٌ والعراق ليسَ فيه جوع"
ان ما يملكه العراق من نفط واحتياطي كفيل بان يقدم حياة رغيدة للعراقيين جميعا وان يكون دخل العراقي أعلى من دخل الفرد في اغنى دول العالم لو كانت هناك ارادة حقيقية بذلك. ولكن, آه من الفساد والسراق والخائنين لكل القيم الانسانية والمباديء والباحثين عن حجج لاضطهاد الشعوب والاستيلاء على ثرواتها والتلاعب بمقدراتها حتى تنتهي وتذهب كما ذهبت من قبلها شعوب وأقوام قبلت الظلم فانتهت الى الموت والنسيان.

وان كان موقف عدم قبول استقلال الشعب الكردي من منطلق الخوف على الكرد وعلى دولتهم التي ستكون مهددة من قبل الجيران كايران وتركيا, فهذا الموقف الأبوي ضد شعب بالكامل ليس له اي سند أخلاقي وقانوني, وهو غير مقنع تماما.
اذن, علينا اما ان نقرر بان الشعب له كل المقومات القادرة على بناء دولته المستقلة وهو كذلك, واما ان نكون كاذبين مع انفسنا ونعيد النظر بايماننا بحق الشعوب بتقرير مصيرها.
15-4-2011