نافذة

قتل الحضارة في وضع القيود على المرأة والثقافة .. Print

        قتل الحضارة في وضع القيود على المرأة والثقافة ..

 

                                                      بلقيس حميد حسن

 

لايشك أحدٌ منا بأن المرأة لازالت هي العنصر الأضعف في مجتمنا العراقي خاصة حينما تهجم الفوضى والتعصب والفلتان الأمني الذي يجعل العصابات تتحرك ابتداءً من النقطة الضعيفة الا وهي المرأة مع الاسف, حيث انها في مجتمعنا لم تتحصن بحقوق دستورية وقانونية تجعلها بمركز القوي, كما يضعفها تقاليد وعادات وأعراف بلداننا التي لا زالت لم تتخلص من سطوة البداوة وتقاليد الصحراء القاسية وعاداتها اللا انسانية مهما أبتعد العالم عن تلك العادات التي اصبحت خطرا على الحضارة الحديثة وقيمها. فحينما حلّت الفوضى في العراق وغياب السلطة بعد سقوط النظام السابق, أصبح انتهاك القانون في العراق أمرا سهلا على التجمعات والعصابات والاحزاب المتشدقة باسم الدين والمتسترة تحت لواء الحق, فذبحت وطوردت النسوة أولا, وقطعت رؤوسهن ودفنّ بدم بارد, ووجدن بالعشرات جثث مقطوعات الرؤوس دونما معرفة الفاعل, وضاعت حقوقهن اليوم كما ضاعت في زمن الطاغية الذي علق رؤوس النساء على ابواب بيوتهن بحجة الحملة الايمانية الكاذبة التي اشاعها ضد نساء العراق واحراره.

واليوم, يسير وضع المرأة من سيء الى أسوء, وحينما يكون وضع المرأة بهذا الشكل البائس تكون الحضارة العراقية مهددة في كل جوانبها, فحضارة اي بلد من البلدان تقاس حسب حالة ووضع المرأة فيها, وللأسف لا زالت النظرة الدونية للمرأة في العراق هي السائدة بل تزداد كلما سيطر الاسلام السياسي بتعصبه وأحزابه على المشهد العراقي. حقيقة قد تزعج الكثير من شخصيات واحزاب الحكومة العراقية, لكنها واقع لابد من الالتفات اليه اذ بلغ حدا يهدد وجود العراق اصلا, اذ لا يعترف هؤلاء بمتطلبات الحضارة الحديثة فهم لا زالوا يعتبرون الحضارة الاسلامية هي النموذج الوحيد للحضارة الانسانية..

ولو تابعنا الأمر بواقعية لرأينا انه لا يوجد حزب من الاحزاب الدينية في السلطة اعترف بدور المرأة بشكل جدي ودافع عن حرية وحقوق المرأة وكيانها كإنسان متكامل, واقتصر اهتمامهم فقط بالنساء المتحزبات في ذات الاحزاب وقريبات بعض المسؤولين غالبا, اللواتي شكلن نسبة غالبة من كوتا البرلمان العراقي, واللواتي لا يؤمن اصلا بحرية المرأة , بل شكلن اعاقة حقيقية لحصول المرأة العراقية على المساواة في الدستور والقانون العراقي..

لقد فرض الحجاب على النساء في اغلب مدن وشوارع العراق, بما فيهن الصابئيات والمسيحيات تحت طائلة الموت الذي يـُنذرن به باستمرار وفي أية لحظة شاء القتلة. وحينما اطمأنت العصابات والارهابيين والقتلة بشتى توجهاتهم وعلى اختلاف الجهات التي تدعمهم من امكانيتهم بإشاعة تلك النظرة المتخلفة للمرأة وتخويفها من اطلاق طاقاتها الخلاقة في المساهمة بحضارة الوطن وذلك تحت طائلة الموت, استقووا على باقي ابناء الشعب أو الحلقات المسالمة الأخرى فذبـُح الصابئة المندائيون والمسيحيون والأيزيديون وغيرهم من مكونات الشعب العراقي تحت اسم الدين والوطنية, مثلما ذبح الشيعي والسني ان كان كرديا أو عربيا أو من أي مكون عراقي, وأثيرت الفتن الطائفية بين ابناء البلد الواحد والذين تعايشوا على مدى قرون من الزمن....

وفي ظل هكذا شراسة لأعداء الوطن وأعداء الحياة في الوطن ذاته والذين يتحركون تحت مغريات الحصول على الأموال الطائلة من جهات مشبوهة معروفة وغير معروفة, أو غسيل الدماغ الذي يمارس مع شباب العراق العاطل عن العمل والذي صار ينخرط  بالأعمال الارهابية العنيفة إذ لا يوجد أمامه أي طريق للتعبير عن انسانيته وتوجيه طاقاته نحو النشاطات الشبابية والترفيه البريء عن طريق الآداب والفنون حيث الأندية الثقافية تعاني من المضايقات, وقد أغلق اغلبها بما فيها النادي الثقافي التابع لاتحاد الادباء والكتاب في العراق, وأصبحت المكتبات العامة شبه مهجورة في كثير من المدن, وباتت السينما غير موجودة في العراق, وقد استمعنا لشهادات أهل الفن في العراق والتي قدموها بكل جرأة على شاشات بعض الفضائيات العراقية حين قالوا ما يدمي القلب عن واقع الفن في العراق, فالمسرح يعاني من الظروف العسيرة, والموسيقى ممنوعة إذ صارت من المحرمات, الموسيقى التي قال عنها الحكيم الصيني كونفوشيوس:

إن اردت أن تعرف مدى رقي أمة من الأمم فاستمع الى موسيقاها..

واليوم, تصبح الموسيقى الرائجة في العراق والتي تكاد أن تكون الوحيدة في الشوارع هي الأدعية واللطم والأغاني الدينية التي لا تختلف عن اللطم والندب في شيء.

لقد اصبحت الفنون والاستعراضات الشبابية ممنوعة في العراق, العراق الذي بنى الحضارة الاولى والذي كان أول من ابتدع الأداء المسرحي والاستعراضات والفنون في ملتقيات بابلية كانت مواكب الاستعراضات تسير بها على طول شارع معبد الإله مردوخ وهي ترتدي اشكالا مختلفة ومهرجانات تنكرية وسواها, وتقوم برقصات وحركات تعبر عن توق الانسان للحركة والفن والابداع.

العراق, الذي اشتهر في تاريخ العرب بالشعراء والمفوهين والمدارس الثقافية, تمنع فيه النوادي الثقافية التي تمارس فيها المواهب الادبية والترفيهية..

 فأين نحن اليوم من مفهوم الحضارة ونحن نقتل الآداب والفنون,  ونجرد روح الشباب من الدخول الى بوابات المحبة والطيران بخفة نحو دروب الخيال والتحليق نحو عالم الابتكار والابداع والامتلاء الروحي الحقيقي والذي فـُطر عليه الانسان برغبته لا بغسيل دماغه على يد شيوخ نصفهم غارق في الفساد والرذائل بجميع أنواعها.

هل بعد كل مايحصل نعجب من ازدياد اعداد الارهابيين وعدم القدرة من السيطرة على الارهاب القاتل؟..

1-12-2010

 نشر في مجلة نون عدد 37