نافذة

ذكرى المجزرة ومقتل أفقر زعيم في تاريخ العراق Print

          ذكرى المجزرة ومقتل أفقر زعيم في تاريخ العراق

                                      بلقيس حميد حسن

لم أنس ما حييت دموع النسوة وهن يتهامسن بصوت خفيض عن دفن الشاب" سيد وليد" حياً في محافظة الناصرية أيام انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963..
كنت للتو أدخل عالم التذكر والاحتفاظ بما يخيف وانا أسمع أمي تحدث خالاتي وجاراتها بأن الشهيد  كان وحيدا لأمه, وكان شابا لم يبلغ الحلم بعد,  فهو دون سن الرشد عندما اتهم بالشيوعية ودُفن حيا في حفرة وضع عليها الإسمنت ولمجرد التهمة وبدون اي تحقيق او سؤال..
لم انس ماحييت ذكريات كانت تتردد على مسامعنا طوال حياتنا مع البعث المجرم عن ذكريات شباط الاسود وحمام الدم ضد ابناء الشعب بعد مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم الذي احبه شعب العراق كما لم يحب زعيما من قبل.
لم انس ماحييت ماحدثونا عنه اهلنا وشهود عيان عن الذئاب البشرية التي افلتت في شوارع ومدن العراق باسم " الحرس القومي" لتقتل كل من يقف بوجه جرائمهم.
لم انس ماقيل عن الهستيريا التي كانت تعصف بتلك الذئاب البشرية ليضربوا طفلة ترتدي حذاءً احمرا واخرى تحمل معجون طماطة فيسقطوه منها ويعتدوا عليهما بعصيهم لانها تحمل شيئا احمرا..
ولن انس قصص التعذيب بأدواته التي ابتدعها البعث ليمارسها على أبناء العراق الرافضين له, وتلك العذابات الكبيرة التي استوطنت ذاكرتنا الى الأبد.
قد يقول قائل انتم تبالغون, لكن التاريخ يعرف كل هذه الاحداث وذاكرة الناس ان تناست لفترة مجبرة عليها وبسبب الخوف الذي لفها لأربعة عقود, فهي لن تنسى الى الأبد مهما طال بها الزمن..
لن انسى الخوف الذي كنت اراه واسمعه طوال حياتي من اسم كلمة البعث والحرس القومي. ولن انسى تلك الدموع الغزيرة التي كانت تذرف بسبب قتل الزعيم الفقير, الزعيم الذي لم يجمع الدنانير ولم يسكن القصور, الزعيم الذي لم يرتد سوى بزة عسكرية للشتاء واخرى للصيف وينام على الارض بلا سرير في وزارة الدفاع, غير آبه إلا بأن يرفع مستوى الشعب العراقي ليكون لكل فرد عراقي حسابا في البنك وبيتا وسيارة كما كان يردد مع اصحابه دائما وبلهجته العراقية قائلا:
"لازم اخلـّي كل عراقي عنده بيت وسيارة وحساب في البنك"

هذه كانت كل أحلام عبد الكريم قاسم الذي قتل من اجلها والذي لم يملك بيتا واحدا باسمه, عبد الكريم قاسم الذي قتلوه ولايملك في حسابه الشخصي سوى دينار وربع كما وثق ذلك من قبل الأعداء الذين قتلوه والذين ندموا على موقفهم فيما بعد.
فأين ذلك مما نراه ونسمعه الان عن المسؤولين والرؤساء وحسابات زوجاتهم وملايين مستشاريهم ومقربيهم على حساب جوع الشعب واذلاله؟ ومن اين نأتي بزعيم زاهد كزهد عبد الكريم قاسم, ومخلص للفقراء والمهمشين مثله, وشفاف في كل مايفعله مع مرؤوسيه؟ من اين نأتي بزعيم يحقق حلم عبد الكريم قاسم في ان يكون لكل عراقي بيت وسيارة وحسابا في البنك.
وهل سنبقى تحت خوف مجيء البعث ليتخلى الشعب العراقي عن طموحاته تحت التخويف من بعبع القادم الجديد كما بقية الديكتاتوريين العرب أمثال حسني مبارك الذي خدر الشعب لثلاثة عقود تخويفا باسرائيل واخوان المسلمين وهو يسرق مليارات مصر ويصادر حرية وقوت الشعب لحساباته الشخصية فقط؟
8-2-2011