نافذة

إبعاد سيدة الحكمة والحزن الكوني من صنع القرار Print

                       إبعاد سيدة الحكمة والحزن الكوني من صنع القرار
                                                               بلقيس حميد حسن
          
أطلقت عضو البرلمان العراقي والناشطة النسوية السيدة ميسون الدملوجي بيانا وزع بعد تشكيل الحكومة العراقية المعلن عنه يوم 21-12-2010. وقد صدر البيان تحت عنوان:
" بيان حول تراجع دور المرأة في العراق وإبعادها عن التشكيلة الحكومية الجديدة"
وقد ذكر البيان ان جميع الكتل المساهمة في العملية السياسية بما فيها القائمة العراقية التي تنتمي لها السيدة ميسون قد تخلت عن وعودها بإشراك المرأة العراقية بصناعة القرار..
من المؤلم والمرعب حقا ان تكون كل القوى السياسية التي ستقود المجتمع العراقي في الحكومة الجديدة من الذين لا يؤمنون بدور المرأة وامكانيتها على الاسهام بقيادة المجتمع, فالتشكيلة الحكومية التي تخلو من المرأة أكبر دليل على مانقول هنا.
ان أغلب النساء العراقيات الطامحات بمجتمع يرقى الى احترام حقوقهن ويعترف بآدميتهن عن طريق المساواة مع الرجل في صنع القرار, كن يتوقعن هذا الانحدار وهذا التراجع اتجاه دور المرأة وتقديره رغم التضحيات الجسيمة التي قدمتها عبر التاريخ, وخاصة التاريخ الحديث, المليء بالحروب والاقتتال والصراعات السياسية وصراعات الكراسي والمال التي صنعتها ارادة الرجال, قبل وبعد سقوط النظام السابق, والتي جاءت لجميع النساء العراقيات بالأهوال والفقدان والتشرد والضياع والامراض والكوارث, لهن ولفلذات اكبادهن وذويهن, حتى لتستحق أن تحصل المرأة العراقية وبجدارة على لقب  سيدة الحكمة والحزن الكوني.
ان المرأة العراقية لم تكن تعمل يوما من أجل نيل المكاسب والكراسي والأموال, إذ كان  نضال المرأة العراقية من اجل هدف انساني نبيل, الا وهو رفع الحيف عنها وهي عمود الأسرة وصانعة الحياة ومربية الأجيال وهي المعلمة الاولى, والتي لا يستوي أي مجتمع بشري بدون دورها العظيم كأم أو رفيقة درب وحياة أو موظفة وعاملة أو ربة منزل ساهرة من أجل رعاية جميع أفراد الأسرة التي هي الخلية الأولى والأهم في بناء المجتمع وتربية الاجيال.
لم تكن المرأة العراقية تعمل يوما من أجل حقوقها هي فقط, ولم تدافع دفاعا عن طموحات شخصية محدودة, كما هو بالنسبة لبعض الساسة من الرجال في تاريخ العراق القديم والحديث حيث لا يرعوي احدهم  عن اشعال الحروب او التآمر وإرسال من يقتل منافسه دفاعا عن منصب او مكسب مالي, بل ناضلت نضالا نظيفا وسلميا من اجل العائلة والطفل ومن اجل حياة سوية للأجيال, ناضلت من اجل حياة كريمة ومستقرة للرجل ايضا, اذ ان نضال المرأة وعملها ينسحب لتحقيق رفاه وسلامة المجتمع كله, ومن أجل إنقاذ افراده من السقوط والتشرذم والحقد الذي ينهش بابناء طوائفه ومكوناته حتى يصل الى الرغبة بالابادة والتعدي على المقدسات, في حين  تعمل المرأة بصمت وبروح التفاني والاخلاص الوطني, بعيدا عن العداوة والأحقاد والعنف.
من هنا فان مساهمة المرأة بالقرار يكون معادلا ضروريا لصحة المجتمع العراقي, كضرورة العلاج لمجتمع مريض أو كالماء الذي يطفيء النيران, فالمرأة مخلوق مسالم يحب الحياة ويقدسها, وبدون اعطاء المرأة الحرة دورا هاما في الحكومة, ستسقط  حتما صفة المدنية عن المجتمع مهما كان, كما ان القرار الذي لا تساهم فيه المرأة قرارا ناقصا لا يعبر عن الأغلبية التي تشكلها نسبة المرأة في العراق, وبالتالي هو قرار بعيد كل البعد عن الديمقراطية التي من معانيها "حكم الاغلبية".

للأسف قد حصل ما توقعناه, فان من لا يؤمن حقا بمساواة المرأة بالرجل, لا يؤمن حتما بقدرتها على العطاء كمسؤولة وصانعة قرار, وان كان قد اضطر الى اشراكها في العملية السياسية كواجهة اظهرها في البداية كي يوهم العالم بالصورة الديمقراطية والحضارية للحكومة فهو الى حين, وقد جاء هذا الحين وانكشفت البراقع اليوم وجاءت الحكومة بلا حقيبة للمرأة العراقية ولا دور يتناسب مع كونها تشكل اكثر من نصفه.
اذا صمتت المرأة اليوم عن هذا الاجحاف, فسيُسحب البساط  من تحتها شيئا فشيئا, لتتطاول أيديهم وعقولهم المظلمة وتأتي على جميع حقوق المرأة المدنية التي نالتها بنضالها ومثابرتها وتضحياتها.
وان صمتها سيتبعه تنازلا ثم يتبعه تنازلات, وهكذا, الى ان نجد من يلغي ويحرم على المرأة كل حقوقها البسيطة المتبقية, بل ستحرم حتى من خروجها الى الشارع مستقبلا, فينتشر الجهل والخنوع بين صفوف النساء وسيدخل العراق في نفق اكثر عتمة من نفق اليوم, وسيتم الاستهتار بكل طموحات المرأة في الحقوق التي تدافع عنها الاتفاقيات الدولية ايمانا بالمرأة كانسان متكامل له ما للرجل من عقل ومشاعر وطاقات, وسيتراجع المجتمع العراقي الى الوراء اكثر فأكثر. وستواجه المرأة موجه من الحرب الاجتماعية لتحجبها وتبعدها عن دائرة النور, ولنا في بعض الدول الاسلامية مثلا واضحا وضوح الشمس..

فلتتهيأ العراقية الصابرة لمواجهة الظلمة القادمة بحزم, ولتتذكر بأن تاريخ العراق علـّمنا بأن من يتسلم زمام الأمور في بلاد الرافدين قد يطغى- متسترا بستار الاسلام-  وقد لا يتورع عن فعل أي شيء مهما كان قاسيا ولا إنسانيا, كما علمنا التأريخ ان أول ضحايا المتسترين بالدين هو المرأة.

فيا سيدة الحكمة والحزن الكوني, لا تصمتي ولا ترتضي  بالظلم إكراما للحياة..
21-12-2010
www.balkishassan.com

 نشرت في الحوار المتمدن