نافذة

الخروج من الظلام.. ودفاعا عن العقل Print

                    الخروج من الظلام.. ودفاعا عن العقل

                                                                         بلقيس حميد حسن

حينما يتابع المرء احوال العالم العربي والاسلامي, يجد ان مشاكلنا جميعها او اغلبها سببها محنتنا الرئيسة, وهي تمسكنا بفلسفة واحدة, قديمة لا غير,فلسفة حياة ورثناها وحفظناها, واعدناها وقدسناها, وعشقناها ولانريد تغييرها, فلسفة لاتقبل الحوار, صارت تسير كل شؤون حياتنا وتتدخل بأبسط  فعالياتنا, وتعرقل استعمالنا العقل, بل تجمده عند حدود الالفية الاولى, فتجعلنا آخر الاقوام. تفسد علينا متع الحياة, تقتل المحبة, وتشرذمنا طوائف واقوام وكتل متناحرة. تنشر بيننا العداوات, ونقبلها ونتمسك بها.
يرفع بعض حملتها سيوف الذبح على اخوانهم في الانسانية, ونتجاهل كل جرائمها. تغسل ادمغتنا ونحتضنها باكين حبا لها, وتمسكا بها حتى لو قتلتنا جميعا, فالى اين نحن نسير؟
متى نتحرر من شر هذه الفلسفة التي أودت بنا وجعلتنا في احط السلم البشري فأتعستنا ولا زالت تزيدنا قهرا وتمزيقا وتفريقا ووحشية..
حينما اقرأ في كتب التأريخ عن اقوام وأمم وحضارات سادت ثم بادت, اتمنى ان اعيش قرنا اخر من الزمن لأرى كيف سنصبح نحن العرب ان بقينا على مانحن عليه الان, على مانحن عليه اي متشبثين بأقوال وافكار اناس عاشوا في مجتمعات بدائية لا تمت بالصلة الى مجتمعات اليوم باي شكل من الاشكال, أناس سيطروا على عقولنا وصاروا يحركونها كما شاء الزمن البدائي, وتقاليد المجتمع البدائي, حتى صرنا عبيدا لهم حيث سيطروا على عواطفنا فاتبعناهم بعداواتهم وانتهجنا نهجهم رغم اكثر من الف عام من التطور البشري في العالم. فلم يعد ينفعنا ان نناقش الفرق بين المذاهب, وما اذا كانت خطبة الصحابي الفلاني أفضل من خطبة سواه في موضوع غزوة من الغزوات, ولم يعد ينفعنا ان نناقش الحلال والحرام في ابسط تصرفات الزوجين الخاصة في الفراش, ولم تعد تشفع لنا الحضارة اضاعة الوقت بالنقاش على الفضائيات ولساعات طويلة كيفية حلاقة الذقن في الزمن الاسلامي او ماذا كان الناس يرتدون لنقلدهم. اننا نستسيغ مع الأسف عدم استعمال عقولنا بما ينفعنا في عالم العلم والالكترونيات والابتكارات الحديثة, لنبقى على اهتمامات القرون الوسطى وكأننا عميان لا نرى مايجري من حولنا..
حتى متى تسيرنا عقول وسلوك اناس عاشوا وماتوا قبل قرون؟
انني هنا لا أدعي ان ما انتجته البشرية من فلسفة وفكر قديم جميعه غير نافع, انما نحن تركنا كل فلسفة اخرى وكل رأي يختلف مع ما قدسناه من فلسفة وافكار جعلناها تتسيد على حياتنا وتحرمنا من الوصول الى مصاف الأمم المتحضرة التي استنفذت فائدة وفاعلية فلسفة الانسان الاولى والفكر القديم لتنطلق الى تحريك العقل نحو عوالم ارحب واكثر فائدة في عالم اليوم, لتركز على فلسفة تضيء العقل بحرية التفكير والابتكار, وتبتكر سلوكيات تنير لها دروب الحاضر والمستقبل..
هانحن بتنا نتراجع على كل الاصعدة ولنضع نصب اعيننا مانحن عليه واقعيا:
اقتصاديا.. يزداد الفقراء والمشردون في العالم العربي والاسلامي, ويزداد اعداد اللاجئين الى دول العالم الاخر بحثا عن الامان او عن لقمة العيش, والنتيجة واحدة هو الهجرة القسرية التي لا يوجد خيار سواها.
اجتماعيا.. تزداد حالات التفكك الاجتماعي بين الناس وتزداد الاعتداءات على بعضنا البعض, ان كان في الشوارع او البيوت التي تزداد عنفا ام على صعيد تكون طبقة آخذة بازدياد في العالم العربي والاسلامي اسمها ابناء الشوارع, والمتتبع للمشاكل والوضع الاجتماعي العربي يجد العجب, فقد بات الاعتداء علي امرأة في الشارع أمرا عاديا تخشى منه بعض النسوة, وذلك بسبب تردي الاخلاق والقيم وازدياد الركض وراء المال, والمتاجرة بكل شيء واولها جسد الانسان, والمتتبع لمسألة المتاجرة بالرقيق الابيض او المتاجرة بالاعضاء يذهل من السقوط والانحدار في مجتمعاتنا العربية والاسلامية, مما يجعل المرء يخشى على نفسه من ان يقوم بعملية جراحية خوفا من سرقة عضو من اعضاء جسمه كأن يكون كلية مثلا كما حصل للكثيرين دون علمهم..
ثقافيا.. تزداد في العالم العربي والاسلامي نسبة الأمية خاصة بين صفوف النساء اللواتي  صار خروجهن الى الشارع مشكلة بحد ذاتها في بعض الدول العربية, ويزداد تقييم الادب والفن لا على أساس الجودة, انما على أساس العلاقات والفائدة المادية من هذا وذاك, فهبط ذوق الانسان العربي لان هناك من يتاجر بالفن والأدب والثقافة حتى ضاعت المقاييس, وبات الرديء يطرد الجيد ويهمشه, وهكذا مجتمع تتردى فيه كل المعايير الثقافية الحقيقية ستتردى فيه كل المباديء الانسانية وسينهار حتما مهما طال الزمن, كما اننا لا ننتظر من الرديء ان ينتج في المستقبل ماهو جيد, فالمنطق يقول ان الرديء يولد الرديء طالما لا زلنا نتشبث بأسباب تردينا وتخلفنا, وطالما اعتبرنا تغيير فلسفتنا امرا مستحيلا, ولطالما ثبتنا في عقولنا وعقول الاجيال الجديدة بأننا خير أمة اخرجت للناس, ولطالما حاربنا مبدأ النقد الفلسفي وكفرنا حملته وابحنا قتلهم..
ان اولى أسباب انهيارنا اسباب ذاتية, فلسفية, اي نحن سببها وليس مانقوله صباح مساء في اعلامنا وكتبنا المدرسية مما نتشدق به من ان الاعداء من خارج حدود بلداننا هم اسباب تخلفنا الرئيس, لو كنا نريد الحياة حقا لانتفضنا ضد عقولنا العتيقة اولا, ولو فعلنا ذلك لرأينا الحقائق كما هي, ولعرفنا كيف نضع الاولويات لحل مشاكلنا بشكل منطقي لأننا نكون بذلك قد استعملنا العقل بمواجهة كل الأخطار الخارجية, ولكونا انسانا قادرا على الاندماج بحضارة اليوم, فالعقل الذي يتخلص من أوهام القرون الاولى قادر على تغيير حياتنا نحو الأحسن مثلما غير حيوات غيرنا من الشعوب, فالعقل البشري واحد في تكوينه, والعقل وحده قادر- ان شئنا- على تغيير كل شيء في حياتنا نحو الرفاه والأمان والحضارة الحديثة..
25-11-2010
www.balkishassan.com