نافذة

تو الناس يا فتى الجبل والبراري والقفار* Print

              تو الناس يا فتى الجبل والبراري والقفار*


                                                      بلقيس حميد حسن

ان يسمع المرء برحيل انسان معطاء ومبدع حقيقي في زمن يبخل علينا بأمثاله, لهو أمر مفجع. اليوم, وجدت دموعي قد سبقتني قبل استكمال قراءة خبر الرحيل المبكر للفنان غانم الصالح, الذي لازال مليئا بالقدرة على العطاء والابداع, وجدتني أضع يدي على قلبي وأعد المبدعين الحقيقيين في عالمنا العربي امثال الراحل, وكم اخاف أن اصدم بهم يوما, فقد باتوا هؤلاء وفي زماننا العربي هذا, كقصائد الشعر اليتيمة والنادرة التي لايستطيع النسيان محوها, كما لا يستطيع الابداع الاتيان بمثلها, ان كانوا هؤلاء في مجال الفن أوالادب أوالعلم والفكرأوحتى على صعيد الاخلاق والمباديء الانسانية. لقد فوجئت اليوم بخبر رحيل الفنان غانم الصالح, الذي اتحفنا باوقات ممتعة ومفيدة وادخل الفرح لقلوبنا كثيرا.
غانم الصالح فتى الجبل والبراري والقفار في مسرحية باي باي لندن الشهيرة, المسرحية التي لخصت ازماتنا العربية وأهم أسباب تراجعنا عن الركب الحضاري, وسلطت الضوء على بعض تقاليدنا الضارة, وانماط  حيواتنا البالية, وأمثالنا المتحجرة التي صارت ثوابتا تشدنا الى الوراء. لقد جسد الراحل بصحبة زميله المبدع الكبير الذي نتمنى له الصحة وطول البقاء"عبد الحسين عبد الرضا" وبقية الفنانين في تلك المسرحية وبشكل كوميدي مذهل واقعنا المضحك المبكي كما هو حقا, لقد استطاعا ان يكشفا وبصراحة من خلال المسرحية الصفات الغالبة في شخصية الرجل العربي, حتى تمنيت ان يراها كل رجال العرب ليس بعيونهم فقط انما بعقولهم ليتعرفوا من خلالها على ذواتهم, وبالتالي ليتفكروا في خيباتنا وكيف وصلنا الى مانحن فيه, وليعترفوا بما يقترفوه بحق مجتمعاتنا الماضية الى التفكك والتشرذم والضياع. لقد نبه الراحل في اعماله الرجل العربي, وقدم نقده لتصرفاته الطائشة من خلال ادواره في مسلسلاته العديدة التي امتعتنا كثيرا.
سيكون غياب الفنان غانم الصالح محزنا لكل من شاهد له عملا ما, انه فنان لاينسى حقا, ورغم انني لم التق بالفنان شخصيا مع الأسف, لكنني كلما رأيته على الشاشة الصغيرة, أتذكر انني من شعوب كان واخواتها, تلك الجملة التي قالها في باي باي لندن الراسخة في ذهني منذ اكثر من عشرين عاما والتي أثرت بحياتي كثيرا, لأنها صرخة لتنبيه العرب كي يتفكروا في مستقبلهم وليخرجوا من شرنقة الماضي القديم الذي لم يبق منه سوى الكلام وقصائد الفخر والأناشيد التي لم تعد نافعة الان, فالسيف والرمح اليوم لم يستطيعا مواجهة الاسلحة النووية الفتاكة, فأين نحن العرب من العالم الذي نعيش فيه كمستهلكين فقط.
اخيرا, اعتذر لروح الراحل لأنني سوف لن اقف حدادا لها, فروحه تعيش معنا دوما وتخلد خلود اعماله, لكنني اقف اجلالا لما قدمه لنا من اعمال.. وبحسرة الفقد لن اقول له وداعا, انما اقول له: تو الناس يافتى الجبل والبراري والقفار..
* تو الناس باللهجة الكويتية : لم يحن الوقت للرحيل بعد, فهو مبكر..
www.balkishassan.com
20-10-2010