نافذة

إهمال المسؤولين, وفواجع الجسور في سوق الشيوخ Print

إهمال المسؤولين, وفواجع الجسور في سوق الشيوخ 


                                                       بلقيس حميد حسن  
 
مدينة سوق الشيوخ لمن لا يعرفها, هي قضاء تابع لمحافظة ذي قار او الناصرية او المنتفك قديما. سماها بعض المثقفين بأور جلجامش لعراقتها. وسميت بمدينة الشعر لفيضها بالشعراء والأدباء والمثقفين الذين لايحصر عددهم في مقال واحد. وسميت بفرع من شجرة النجف لاهتمام اهلها بالدين وعلومه وتفقههم به. واطلق عليها البعض مدينة الكرامة والانتفاضات, لما لها من دور في ثورة العشرين ثم انتفاضتها عام 1935 حيث ثارت المدينة وعشائرها بعد اخماد انتفاضة الرميثة مباشرة, وقد سمّى اهالي سوق الشيوخ انتفاضتهم بثورة ريسان نسبة لقائد الانتفاضة وهو الانسان الوطني الراحل الشيخ ريسان الكاصد الذي ثار ّ وتبعه ُ العشائر انذاك ضد حكومة السراكيل التي تنهب خيرات الفلاحين, وسار ابنه البار الراحل الشيخ كاظم ريسان على نهج أبيه في الاحساس بالمسؤولية والشعور الوطني فكان قائدا لأبناء المدينةفي انتفاضة الشعب عام 1991 لتصبح سوق الشيوخ وضواحيها بعد ذلك عرينا للمنتفضين العراقيين ضد حكومة البعث المستبد.
وسميت سوق الشيوخ مدينة الكرم لتحلـّي أهلها بصفات البذل والعطاء.. قال الشعراء في وصف طيبة اهل سوق الشيوخ وتميزهم الكثير من القصائد, سابقا وحاليا.
وسوق الشيوخ من المناطق الغنية بالثروات الزراعية واولها النخيل الكثيف الذي يحيطها. وغنية بالثروة السمكية حيث الفرات والاهوار. كما هي غنية بالتلاقح الثقافي والحضاري بين سكانها الذين تنوعت اديانهم وطوائفهم والذين جمع الحب بينهم حدا نادرا مانجده في مدن العراق الاخرى, وان دل هذا على شيء لهو دليل على قدرة اهالي سوق الشيوخ على فهم الاخر, و قدرتهم على المحبة وكم من شواهد على ذلك من خلال ماكتب وقيل عنهم من الغرباء الذين عاشوا في سوق الشيوخ وأحبوها مهما بعدت أراضيهم وطال بعادهم, و كم من كتب كـُتبت عن المدينة ومساهماتها في التاريخ العراقي الحديث .
لم يعرف اهالي سوق الشيوخ العداواة بين الطوائف والأديان فعاش المسلم مع الصابئي والمسيحي , وعاش السني مع الشيعي وتزاوجوا فيما بينهم عبر السنين واحبوا بعضهم ووحدهم حبهم للوطن من خلال حبهم لمدينتهم ..
تميزت سوق الشيوخ بمجالسها الحسينية والتي لها طابع التوعية, كذلك بمجالسها الثقافية التي تعتبر دروسا في المعرفة وصالونات للشعر والثقافة والاطلاع على كل ماهو جديد فيما ينتجه العقل البشري, كما تميزت سوق الشيوخ بمهرجاناتها الشعرية السنوية الكثيرة التي تحييها بالمناسبات الدينية, والتي تعتبر تظاهرات ادبية يتسابق بها الشعراء فيما ينظـّمون من قوافي ومعاني تبهر الجمهور الذي يبقى الى منتصف الليل في شوارع المدينة وهو يصفق لهم ويردد اشعارهم بعد ذلك. و تتميز سوق الشيوخ في الوقت الحالي بمركزها الثقافي النشط الذي يعمل به ويديره مجموعة من الأدباء والمثقفين الذين نفخر بهم ونعتز بدورهم, اذ هم روح المدينة وشريانها النابض بالحياة.
وبقدر تميز سوق الشيوخ بما ملكه اهلها من ثروات انسانية وروحية متجددة, فهي تميزت عبر السنين بإهمال المسؤولين لها, وإن كانوا من صلبها, فكما انجبت سوق الشيوخ العديد من اعلام العلم والمعرفة والثقافة, فهي انجبت العديد من رجالات السياسة, لكنهم مع الاسف لم يهتموا بهذه المدينة المنسية ولم يوفوها حقها من الرعاية وإعادة البناء, ولم يلتفت أحد منهم الى معاناة أهلها الذين لم يقصروا يوما بمواقفهم البطولية وعطاءاتهم حتى باتت صور الشهداء معلقة على حيطان كل بيت من بيوت المدينة المناضلة, المدينة التي ضمت عوائل وعشائر كثيرة شمخت بأنفتها ومواقفها البطولية ضد كل اشكال الظلم إن كان خارجيا أو داخليا..
واليوم ينذر جسر سوق الشيوخ المسمى بجسر البطاط بكارثة قادمة أمام صمت المسؤولين.الجسر هذا يحني ظهره الحديدي الصديء بشكل يخيف الأهالي من فاجعة مقبلة تذكرنا جميعا بفاجعة بنات الشطرة, التي حدثت في ستينات القرن الماضي في نفس المدينة بمكان ليس بعيد عن جسر اليوم. حيث كان جسر الستينات خشبيا ولا يستطيع تحمل الحافلات الثقيلة, وبنات الشطرة هن مجموعة من الطالبات ومعلماتهن القادمات من مدينة الشطرة في رحلة مدرسية الى ريف سوق الشيوخ الجميل ذاك الوقت, وعند مرور حافلتهن على الجسر انهار فغرقت 42 شابة بريئة من الطالبات. كانت فاجعة لا تنسى لكل أهالي العراق, خاصة سوق الشيوخ والشطرة حيث حزنت بيوتاتها لسنين طويلة.
لم تنته الى هنا قصص جسور سوق الشيوخ بل ان الإهمال المستمر الذي عانته وتعانيه المدينة عبر السنين وعلى مدى الحكومات المتعاقبة على العراق, عرّضها مرة اخرى لفاجعة انهيار جسرها قبل عام وذلك بتاريخ 18-12-2009 والذي راح ضحيته اطفال ونساء وجرحى من أهالي المدينة..
من حقنا ان نتسائل هنا, لماذا ينام المسؤولون على فواجع المدينة ويسكتون؟ وهل سنسمي سوق الشيوخ بعد الان مدينة الفواجع والجسور المنهارة؟ وهل نبقى نندب أحبابنا وهم يرحلون كضحايا اهمال المسؤولين دوما؟ وهل على اهالي سوق الشيوخ الذين لم يخنعوا للظلم ان يريقوا ماء الوجه طالبين من اصحاب الشأن من قادة العراق أن يقوموا بواجبهم في خدمة أفقر شعب لحكومة غنية؟
21-10-2010
balkishassan.com

 

نشر في الحوار المتمدن ومواقع اخرى