نافذة

لقاء مجلة نرجس Print

الشاعرة بلقيس حميد حسن:بكيت وأنا أبحث عن ماضٍ رحل بأعجوبة 
 
بتاريخ : السبت 02-10-2010

حاورها اسعد المطيري


الحوار في الغربة والأدب يحمل نكهة خاصة، وطابعاً مميزاً بالانفعال العاطفي والحدة أحياناً، لما يمثله هذا الحوار من كشف للمواجع، وفتح لأبواب معاناة باتت مزمنة للذين ذاقوا مرارة تجربة البعد عن الوطن والنظر إليه بعينين دامعتين، وألم يطفو على كل الهواجس، وهي تتجسّد أعمالاً إبداعية متنوعة، والشاعرة بلقيس حميد حسن، التي عادت مؤخراً زائرة بلادها، رائية له وهو يئنّ من الأزمات المتلاحقة، التقيناها في هذا الحوار الذي سلّط الضوء على حياتها وتجربتها ومشوارها الذي تكلل باختيارها مع مائة وخمسين شاعرة من العالم، لتظهر نصوصها المنتخبة في كتاب لاقى شهرة وأصداء عالمية طيّبة.

 

الغربة.. الضياع الروحي * كيف تنظرين إلى واقع المثقف العراقي المغترب؟ - واقع المثقف العراقي غير محدد الملامح، فهو لم يستطع الاندماج التام ببلدان المهجر وثقافاتها، فكل نشاطاته مقتصرة على العراقيين والعرب غالبا، وكل جمهوره منهم، واغلب نتاجاته متوجهة إليهم، فهو مازال يعيش الضياع الروحي بالرغم من استقراره في الغربة، والاستقرار هنا نسبي، يسقط منذ رؤيتك أول دمعة تذرف من عينه حين يتذكر العراق، امرأة كان هذا المثقف أم رجلا، ولمجرد رؤية حدث عراقي على شاشة فضائية تراه يقلق، ويركض ملتاعا لسماعة الهاتف، مختصرا كل سنوات الغربة متصلا بالوطن الحزين للاطمئنان ومحاولة النوم ذلك اليوم. إن واقع المثقف العراقي في الخارج لا يمكن أن يؤخذ بمعزل عن واقعه داخل الوطن، فجميع ما يحصل في العراق سلبا أو إيجابا ينعكس حتما على المثقف العراقي، فالعراقيون لهم ميزة خاصة بهم لا توجد عند الجاليات الأخرى، وهي الارتباط والحنين الدائم للوطن، وان غالبية العراقيين من المثقفين وسواهم يعيشون بأجسادهم في الغربة. أما الروح، فهي في العراق. الألم والأرق والدموع والتهميش * هل حققت المرأة العراقية المثقفة طموحاتها؟ - لا يمكن أن نجيب عن هذا السؤال بشكل عام، فلكل امرأة ظرفٌ خاص يتحكم بمسارها، لكننا وبشكل عام نجدها حتى لو استطاعت - كمثقفة- أن تحقق من طموحاتها شيئا، فهي تعاني ذات معاناة المثقفة وغير المثقفة في العالم العربي أو داخل الوطن، بالرغم من استطاعتها الاستفادة من قوانين البلدان المتحضرة أو الغربية التي ساوت المرأة بالرجل، فإن جمهورها عراقي أو عربي غالبا، تقاليده ونظرته للمرأة لا ترقى إلى نظرة المجتمعات المتحضرة، فالمثقفة العراقية أو العربية عموما، لا تستطيع الخروج على تقاليد ومفاهيم الجالية المطبوعة بطابع التحفظ والتعصب أحيانا، فالغالبية لم يختلطوا بالمجتمعات الغربية إلا بحدود العمل والمصلحة وتسلم المعونات الاجتماعية - وأنا لا اختلف عنهم كثيراً- ، ونتاجات المثقفين تتعلق بموطنهم الأصلي وهمومه، فما تعانيه المثقفة خارج الوطن هو بعض معاناتها داخله، كل شيء قد نقل إلى هنا، التقاليد، الأفكار، التنافس الذي يخرج أحيانا عن حدوده الشريفة، الإيمان بأن يكون للمثقفة حامياً أو عرّاباً من الرجال، وستهمش إن كانت وحيدة، المعوقات التي تؤخر إيصال أفكارها إلى العالم بالرغم من وجودها حرة، فالحرية تكمن في مدى قبول الآخر، لان المثقفة لا تعيش في صحراء منعزلة، إنما تبدع للناس ومن اجلهم، لذا هي تبقى أسيرة فكرهم وقدراتهم على استيعاب حريتها وطموحاتها ورغبتها بالخروج عن المألوف والمعتاد واليومي والممل. كل هذا الخراب!! * عدت في زيارة قريبة إلى العراق، والى موطنك الأم سوق الشيوخ، ما مدى ارتباطك بهذا الجذر، وهل وجدت العراق كما تتوقعين؟ - بعد غياب ثلاثين عاما عن الوطن، دعيت من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق مشكورا للمساهمة في مهرجان المربد السنوي، ودخلت حدود العراق، الأمور الحياتية تغيرت، فأصبحت وجوه الناس متعبة، ملابسهم رثة، نشط الغبار والذباب، وانتشرت الأوساخ في كل الأماكن حتى يخيل للمرء انه قد انتقل إلى عالم غير موجود في مخيلته، آه لماذا كبرنا؟، ولماذا حصل كل هذا؟، هل كنا ننتظر هذا الخراب بعد كل الضياع والدروب والبلدان التي أتعبتنا بوداعها؟، أين ذهب نضالنا وتحدياتنا وعذاباتنا وشهداؤنا؟، لقد فوجئت، وبكيت وبحثت عن ماضٍ كان ورحل، وهيهات يعود، بحثت عن طفولتي، وعن بيت أهلي الذي لم اعرفه حينما عدت، عن الجيران والأحباب الذين وجدت صورهم معلقة على الحيطان مع شريط اسود في اغلب البيوت، عدت لأرى أخي الشهيد حيدر صورة صامتة مغبرة في زاوية بيت أختي .. باختصار عدت وكأنني لم اعد لأنني لم أرَ ما كنت أريد أن أراه. لا ينشرون ما اكتب بسبب صراحتي وجرأتي * هل تجدين الأجواء مناسبة للعودة – إن فكرت بذلك جدياً - ؟ - العودة، إنها كلمة مغرية خاصة أننا نعشقها ونقدسها وننتظرها منذ ثلاثين عاما، لكنني لا أريد أن أبيعكم وطنيات، وأقول الصراحة التي يعهدها الناس بي، فالعودة لا تكون محمودة في ظروف كواتم الصوت والخطف والمتفجرات، والوضع القامع للفكر الحر، والفارض على المرأة حتى لباسها وتحركاتها، وتعلمون أن عقل الإنسان لا يتراجع إلى الوراء في مسألة الحرية والطموح، فهو حينما يتذوق حرية الفكر يصعب عليه العودة إلى القيود، كما يقول الفيلسوف أفلاطون، فالخارج من الكهف عندما يعود إليه لا يستطيع البقاء فيه، بل هو يحث سكان الكهف على الخروج إلى حيث الشمس والهواء، فيـُقتل من قبلهم إذ يرونه خطرا عليهم. كما أنني- وهذا الأهم والأخطر- لا انتمي إلى أي حزب أو تجمع أو تنظيم يحمي حياتي، وليس لي ولاء لأي مذهب أو قومية معينة، فولائي الوحيد للإنسان والوطن بتجرد من جميع الانتماءات، وهذا ما يجعل إمكانية إيجاد عمل لي وسكن واستقرار وحرية تحرك من أصعب ما يكون، فعودتي لابد من ان تكون مع عودة خيوط الاستقرار والنور، ولو قليلا إلى حد ضمان بقاء الحياة، وإلا ما فائدة أن نعود لنـُقتل على أيدي عصابات وجماعات غير معروفة، كما يحصل باستمرار خاصة لمفكرين وشعراء ومثقفين، أو أن تصادر حريتنا بالقول، فيفرض علينا الصمت لنصبح مهددين مرتعبين كما يجرى لبعض الصحفيين الآن، أي كيف نعود في ظرف إما أن نقتل به أو تـُقتل كلمتنا، وهذا سواء إذ نصبح غير نافعين للوطن والشعب؟، خاصة أنني أعاني من هذا، ولو تتابعون ما يأتيني من تهديدات وتعليقات تنشر في بعض المواقع لعرفتم خطورة العودة على حياتي الآن، فضلا عن أنني منذ سقوط النظام ألصدامي إلى الآن أحاول أن انشر في صحف عراقية، لكنهم لا ينشرون ما اكتب بسبب صراحتي وجرأتي في النقد، وحاولت أن اعمل في الإعلام ولم استطع الحصول على فرصة إعلامية والعراق بحاجة إلى القدرات، مع أن الإعلام العراقي زاخر بالإعلاميات والإعلاميين غير الأكفاء والمخجلين بقدراتهم البسيطة، الذين عينوا بالوساطات والمحسوبيات والمحاصصات، فيا أخي العزيز لا تنكأ جروحي غير الساكنة. من أجل عالم خالٍ من الحروب والدمار * اخترت من قبل منظمة العفو الدولية مع خمس شاعرات عربيات كأهم شاعرات في العالم، هل أضاف لك هذا الاختيار مسؤولية جديدة؟ - الاختيار تم من قبل منظمة العفو الدولية في عام 2000 في كتاب صدر باللغة الهولندية بعنوان «أفضل للحب أن لا يسمى «مع مائة وخمسين شاعرة من العالم، خمس منهن عربيات، هن» نازك الملائكة وفدوى طوقان وسعاد الصباح وظبية خميس، وأنا»، اخترن على أساس أن أشعارهن ركزت على الهمّ الإنساني من اجل عالم خالٍ من الحروب والدمار، كما ناضلن شخصيا من اجل توضيح العلاقة الملتبسة بين المرأة والرجل، لهذا اعتبرن الأهم برأي المنظمة . وقد أضاف لي الاختيار مسؤولية كبرى، وجعلني ابحث في تطوير إمكانياتي وثقافتي كثيرا، إذ وضعني بصف مبدعات عالميات لهن مكانة مرموقة بالشعر، خاصة ان ضمن الهيئة التي اختارت القصائد ثلاث شاعرات حائزات على جائزة نوبل العالمية في الشعر، ما جعلني غير راضية عن نفسي دائما، بالرغم من أنني أتلقى وألمس ردود أفعال جميلة من قبل المبدعين والأدباء والناس عموما، لكن طموحي يبقى اكبر مما أنا فيه، إذ جعلني هذا الاختيار احسب ألف حساب لكل كلمة انشرها.