نافذة

العرب,من القبلية إلى وهم الأحزاب Print


              العرب, من القبلية إلى وهم الأحزاب

بلقيس حميد حسن

                                               

نقرأ في تاريخنا العربي عن تناحرات بين قبائل قطنت الجزيرة العربية ,قبائل تغزو بعضها البعض حتى  تستبيح القوية  منها ضعافها , وتحلّ اخذ أموالها  كغنائم,  ونسائها كسبايا وجوار ٍ وعبيد .
يوم جاء الإسلام كانت هذه القبائل لا تزال  تمارس ذات أفعالها الهمجية, ولم يكن إسلام الجزيرة العربية ليحل مشاكل هذه القبائل بل اصبح الدين لبعضهم ذريعة للغزو والبطش,  ومثل كل السلطات,  كان الدين حجة,  منذ  قيصر حتى  صدام حسين وحملاته الإيمانية الكاذبة,  ومثل الكثيرين الذين قرأناهم بكتب التاريخ ونبذناهم,  وربما استساغ بعضنا قوتهم وجبروتهم وتفاخر به كتاريخ مجيد لامة العرب والناطقين بالضاد.
لم يتغير الأمر بالنسبة لنفسيتنا كعرب , ولم تتغير طباعنا التي جبلت على حب القوة في التجمعات وإلغاء  دور الفرد بالقبيلة , والترويج لمجموعة من البشر على حساب أخرى وان كانت مخطئة , ولازال  دريد بن الصمة يقول يوميا فينا  بيته الشهير :

وما أنا إلا من غزيـّة إن غوت ××× غويت ُ وان ترشد غزيـّة ارشد ِ

لازال الولاء يقتلنا ويمسح ذواتنا , فلقد استعضنا عن القبائل بدول صغيرة رسموها لنا لنتناحر , ولم يشبع رغبتنا بالتناحر والولاء لصاحب القبيلة الكبيرة الذي نلهج باسمه ونصرخ:
بالروح بالدم نفديك يا زعيم .
 ولا اعلم كيف يمكن أن ينطق إنسان بهذا الشعار ويعتبر نفسه حرا وصاحب كرامة ,من  مسحوقين  ومنافقين وأصحاب مصالح , أما الخائفين والمهددين بقتل أحبائهم فلا يمكن المزايدة عليهم ولومهم لان ما يقومون به هو دفاعا مشروعا عن النفس تقره لهم كل المبادئ والقيم الإنسانية , وما أكثر الخائفين في مجتمعاتنا العربية , مجتمعات الرعب المزمن التي  انتقل بها  العرب على ما يبدو إلى التناحر فيما بينهم كأحزاب تحت شعارات الحرية والديمقراطية , ففي العراق وحده تفرخ الأحزاب والتنظيمات يوميا , على اعتبار أن الحرية تسمح بتأسيسها , ولم يستفد المواطن من هذه الأحزاب حتى ولو في قطرة ماء نظيفة تصله  عبر صنبور المياه , أو ضوء يستطيع به قراءة كلمة نافعة  أو إيصال تيار لمذياع أو تلفاز في عالم تجاوز هذه الأمور منذ خمسين سنة للخوض بعوالم رقمية وأخرى مفترضة يلعب بها الصبيان متصلين ببعض من كل العالم في ذات اللحظة ,فلا تستغربن عندما تفتقد صديقا وتسال عنه بعد مدة : يقول لك أنا مشغول بتأسيس حزب أو منظمة , الظاهر أنها باتت موضة ثقافية ودلالات لرغبات نجهلها , والظاهر أننا سندخل كتاب كينس  للأرقام القياسية بتأسيس الأحزاب والتنظيمات .
والغريب أكثر, أن هناك أحزابا تنهج ذات النهج وتطرح ذات البرنامج , إن كانت إسلامية أو علمانية أو قومية , إذن لم  لا تتحد كل فئة لتكون لنا عددا اصغر من القبائل ؟ ليعرف الناس إلى من يعطون أصواتهم بالانتخابات المقبلة ؟ ولمَ لم تأخذ هذه الأحزاب جانب الشعب لتدافع عنه عموما لا عن منتسبـيـها فقط ؟
أين الأحزاب من معاناة الناس وعدم استتباب الأمن ؟ وأينهم من صرخات الأطفال الذين ما أن تغفل أعين أمهاتهم حتى يخطفوا ؟ أن لم يكن على يد عصابة فبمتفجرة تقطع أوصالهم ؟
لقد فشلت جميع الأطر الحزبية والتنظيمية التي شكلها العرب مجتمعين,  منذ  تحرير أراضيهم  من الاحتلالات والانتدابات التي فرضتها معاهدة سايكس بيكو , والتي لم تتجاوز كونها انتدابات عسكرية وسياسية, فلم يكن في نية المستعمرين انتداب المنطقة ثقافيا وفكريا إلا اللهم القليل  مما فرنَسَه ُ نابليون. وهي سياسة فرنسية منتهجة حتى هذا الحين لتصبح فيه فرنسا حاملة لشعرة معاوية بينها وبين الحكومات العربية وببراغماتية عالية , فنراها اليوم تمد أواصر صداقة مع الخليج !
بقيت الأحزاب العربية هذه  تراوح في فلك مطامحها البسيطة في اخذ الدور السياسي السلطوي وأغفلت دورها الرائد بتحرير أفكار الجماهير من أوهام  وبقايا الفترة المظلمة وتخلفها,  يستثنى من هذا القول  دور الأحزاب اليسارية التي خدمت الجماهير العربية  فيما يخص توعيتهم  وتحرير أفكار البعض  من ظلمة السلفية والتعصب وهذا يحسب فقط لأحزاب اليسار التي أدخلت الفكر الحر للمجتمعات العربية واغلب قادة هذه الأحزاب كانوا من غير المسلمين أو من غير العرب , لكن  دور التوعية  وإدخال الفكر الحر لم يعد مهما اليوم كما السابق فقد تولت الابتكارات الحديثة من انترنيت وفضائيات نقل كل ما يصدر عن البشرية من أفكار وأعمال وسلوك , يراها الناس ويتأثرون بها مهما كانت ديكتاتورية الحكومة شرسة ومهما كانت القيود الموضوعة على الشعوب قاسية , الفكر الحر يشرق ألان على  كل بيت .
بمراجعة للتاريخ العربي المعاصر, وبعد أن تخلصت  البلدان العربية من الاستعمار , نراها استعمرت من قبل ملوك وأحزاب وحكام لا يريدون لها الخير بقدر ما يتمسكون بالسلطة إلى أبنائهم وأبناء أبناءهم وكأن الأرض العربية وقفا لهم , والحكم حكرا عليهم لا يجوز لأي من أبناء الشعب الوصول أليه, وان حصل ووصل أي من أبناء الشعب لمنصب حكومي هام  فهو لم يسلم من الشر على أيد بعض الأحزاب التي تحولت إلى عصابات تمارس العنف والذبح سرا وعلانية, مما أدى إلى أن يكون العالم العربي سوقا لبيع الضمائر وسوقا لانتشار الرشوة والفساد الذي فاق أسوء حالات الفساد في دول العالم .
إن جميع الأحزاب أو الحركات السياسية  العربية أضرت بالإنسان ولم تخدمه خاصة الأحزاب القومية التي اشهرها حزب البعث الذي لازلنا نعاني من آثاره  وتسلطه وشوفينيته  وعنفه واستلابه السلطة والمال ونزوات قادته  التخريبية واللا أخلاقية , ومن المضحك أننا نسمع حتى هذه اللحظة عن اجتماعات لمؤتمر القوميين العرب هنا وهناك , كان آخرها في الجزائر.
أن هذه المؤتمرات والحركات  القومية التي تهدر أموال  العرب لم تخدم الإنسان العربي,  بل أنها  سمحت لتسلل الأفكار السلفية إلى صفوفها  حتى أصبحت قوة يحسب لها حسابا بل أصبحت  خطرا على ذات الأحزاب التي تحالفت معها يوما ما .
أما الأحزاب الإسلامية فحدث ولا حرج , فهي التي نقلت أولى أفكار التخلف كما فعل حزب الأخوان المسلمين في مصر بنقله أفكار أبو الأعلى المودودي  من كراتشي إلى عالمنا العربي بروحية وعقلية باكستانية مطعمة ببداوة عربية متزمتة, تريد حتى اليوم تخريب بقايا من رائحة حضارة لوادي النيل, أو بقايا انفتاح وتسامح كان يملكها شعب مصر بيوم ما , كما ينتج تنظيم القاعدة وأفكار أسامة بن لادن ابشع أساليب الذبح والوحشية على أيد زبانيته ومعاونيه كالزرقاوي وسواهم , ممارسين كل أشكال الإرهاب الذي لم تسلم منه أية  دولة عربية .
لقد تساوت رؤية النور والظلام لدى هذه الأحزاب حتى أنها زهدت بحوار الأفكار الغربية المنفتحة على أفق أوسع مما هو لدينا بواسطة النجاحات العلمية الكبيرة , وأعادت مأساة المفكر العظيم  بن رشد الذي أراد للعرب خيرا ما نالته شعوبهم حتى هذه الساعة , يا للحسرة لقد  زهدوا بكل هذا ...

وما انتفاع أخ الدنيا بناظره ِ ×××  إذا استوت عنده الأنوار والظلم ُ؟

مضاف إلى هذا ألمنا العراقي وما حل بنا من مدٍ  يتوهمه البعض مدا ثقافيا إسلاميا, ومددا للخلاص , وفي الحقيقة ما هو إلا نتاج تراكم  وسورات غضب نتجت عن الثورة الإسلامية بإيران بكل تناقضاتها وصراعاتها التي لم تفلح بإسعاد شعب إيران ذاته, والتي ترافقت مع يأس مرير مر به الشعبين الجارين نتيجة حروب طويلة الأمد أحرقت الضرع والنسل, كان الإنسان البسيط وقودها , كما  جاء نتيجة مقامرة الحكومات بمصائر شعوبها  وإتعاسها, لم يكن هذا ما ارتجاه  شعب إيران من ثورته  فما بالك بتكرار هذه التجربة لشعبنا العراقي مع تعدد أعراقه وإثنياته ودياناته؟
إننا وبحق أمام جدل ثقافي أنساني وفلسفي ما مر به العراق قبل الساعة , وللمتوهمين بثقافة هذا المد بوسعنا أن نقول :
 إن العراق لم يأته من الجيران غير الغزو السياسي والعسكري والفتن بمللها ونحلها حتى هذه اللحظة. فهل علينا أن نعقد في زمن العولمة تحالفات ضيقة ؟ أم نعيش داخل قوالب حزبية تعيد أسلوب القطيع من جديد؟
نأسف لما مر من الأسئلة أعلاه , بما يسببه من ألم , ونأسف نحن أبناء العراق لا نفسنا بتكرارها أزلية القول بمزايدة غير موجبة أمام تراكمات تاريخنا الاستبدادي المرير وضياع ما عندنا :
إننا أولى الحضارات.
وان منا خرجت أول الأديان.
وعلى أرضنا كتبت أولى القوانين.
ومن أرضنا انطلقت شعلة العلم والنور....
وها تمر علينا العصور بعد العصور  والانعطافات تلو الأخرى , ولم نستطع أن نصحو لـنكون , فمتى  يا ترى سنصحو فـنكون ؟
15-4-2005