نافذة

المحبة في مهرجان أيام الرافدين الثقافية العراقية الخامس برلين Print

المحبة في مهرجان أيام الرافدين الثقافية العراقية الخامس برلين
                                                                             بلقيس حميد حسن
سوف لن اكتب كما كتب اصدقاء واحبة - وهم كثر - من المثقفين الذين حضروا المهرجان الخامس في برلين 2009  بايامه الثقافية  الممتدة من يوم 20اوغسطس اب حتى 25  منه, لكنني ساتناول المهرجان كمحطة للثقافة والمحبة التي  تتعاظم وتكبر فيه من خلال المعايشة اليومية وحيث هو منبرٌ حرٌ لكل حالم بالحرية , فهو هنا يلمسها بعقله ولسانه وروحه, حرية فكر وانطلاقة تشحذ الذهن لتبدع اكثر, حرية نتمناها في الوطن المقهور, والمجروحة اصوات مثقفيه بشظايا الظلام الغازي حدود الوطن  من كل حدب وصوب , الحرية التي  تزيد متذوقها  احتراما  للثقافة العراقية واعتزازا بها. فما اسعدنا ونحن نلتذ بها متناولين كل ما يخطر بالبال من اراء فلسفية وادبية وسياسية وفنية, نناقش كل ما جاد به  العقل البشري بمختلف مراحل تطوره, باجواء الود والاحساس بالتوحد مع الآخر وإن اختلفت الآراء.
قيل : "ان الثقافة والفكر لا يأتي من خلال التطابق وإنما من خلال التنوع"
في المهرجان المكتظ بالبرامج الثقافية والهامة من محاضرات وعروض ونقاشات وابداعات ادبية وفنية , ترى النقاش دائرا بين اجيال مختلفة , اجيال عريقة بالعطاء ولديها الريادة في دق أساس الثقافة العراقية في الغربة,  وأجيال اخرى تحاول تلمس طريقها نحو ثقافة اكثر رصانة وتجذر- وعذرا  ان لم اذكر اسما - ولتكن كلمتي هذه عامة تنساب على كل من يحضر المهرجان من هؤلاء المثقفين على اختلاف اجيالهم..
 انه بحق لقاء العطاء والتناغم بين الأجيال, وهو لقاء تبادل الخبرات والبحث الدقيق عن افكار وعلاجات نافعة للعراقي المتألم في وطن بات الألم عادة له,  ومرضا عجزت عنه الأطباء, انه ملتقى هدفه الوصول الى بناء الانسان الذي تحطم عبر عهود الاحتراب والاستبداد والخوف والقتل اليومي..
الحرمان إخلال بتوازن الطبيعة
فالثقافة ليست ترفا بل حاجة انسانية نبيلة , وهي ليست متعة ورقي بروح الانسان فقط,   انما  هي  حاجة لشعب يموت كل يوم بالمتفجرات في الشوارع مثلما يموت حرمانا من واقع يقهره في  ابسط حقوقه البشرية , بل يحرمه من كل شيء متوفر في عالم اليوم وأولها الأمان ولقمة العيش  والكهرباء والماء النظيف, والحرمان  لايختلف عن المتفجرات كثيرا, بل يقتل الروح الانسانية ويخربها او يقضي عليها ببطيء وبألم اكبر مما تفعله القنابل والاسلحة الفتاكة..
في مهرجان الايام الثقافية برلين, تحيط بك لوحاتٍ لفنانين عراقيين نزفوا بها ارواحهم, ليمنحوا الجمال الباذخ, تطل عليك الوانها عيونا واشراقات تخجل ُ ان تمنحها  اقل من القلب كتحية اولى.
 اما الفلسفة وهي ام العلوم , او الدواء الذي يحتاجه  الانسان لبلوغ درجة التسامح وفهم متطلبات الزمن , نراها تعلو حائمة في الأمسيات وفي المحاضرات وفي النقاشات الجانبية , انها  منقذة البشرية من هلاك السقوط بالتعصب والاقتتال والحقد الاعمى.
وللشعرالذي قيل عنه انه "حركة الوجود الدائمة "ادوار وترنيمات , فالشعر يتراقص من بين جمل الحاضرين ويطل كالطفل مرحا بيوم عيد , شفافا مفصحا عما يخبيء في ليالي السهد المكتوم بالحزن العميق على الراحلين دون عودة , أو فرحا بالعشق  الحمائمي الأبيض..
اما الموسيقى  كان لها شرف البدء والصعود الى الاعلى حيث الانفاس تترنم بالحياة وتذوب في روح الكون, الموسيقى التي تسمو بالانسان لتمنحه شرف الطيران بين افلاك وعوالم اخرى غير معلن عنها وغير مسموح لمن لا يعشق الفن دخولها كجنة تجري من تحتها الانهار ..
ليس هذا فقط انما كان  لكل انواع الابداع  قول في المهرجان , فالمسرح تكلم َ وامتع, والسينما قدمت دورها بعفوية الاطفال ومشاكل تربيتهم التي ركز عليها المهرجان في مفاصل مهمة ,  والقصص قيلت,  والطرب أرقص َ واعطى.
اما التأريخ فكان حاضرا وشاهدا على التواصل مع الحضارات فاضحا الاعتداء على الآثار العراقية السليبة بأمسية مشتركة مع مهتمين ومختصين  وعلماء آثار المان ..
وثقافة المحبة كانت سيدة المهرجان فنراها جاءت باخوة لنا من السودان , ليساهموا باحتفاء  مثقفينا  بابداعاتهم  بين خمائلنا الوردية.
المهرجان واحة من لا واحة له
حين يضيق الأفق بهموم الانسان المعذب , يلتجيء الى فسحة يتنفس بها الهواء النقي الحر , حيث الغربة ضاغطة  بكل جليدها واحجارها على روح المغترب الذي  يتمنى اللقاء بصديق قديم او محب غطت الأيام ذكرياته بصفار اوراقها الذابلة ..
قبل عامين دعيتُ للمهرجان الثالث ودعيتُ هذا العام للمهرجان الخامس من ايام الرافدين الثقافية العراقية في برلين , وفي كل مرة ازداد ارتباطا بهذه الايام , الحلم ,  حيث  الفائدة والمتعة وحيث تجيء لي بالوطن والأحبة فيكونوا قاب قوسين او ادنى من القلب , دونما متاعب  ووقفات حدود ودونما قلق ومحاذير ..
اتمنى على الهيئة الادارية لنادي الرافدين الثقافي , ان تخصص في العام المقبل محورا يناقش وضع المرأة العراقية, الأم ونواة الاسرة والمدرسة الاولى , والتي تزداد معاناتها في بلد غطى الفكر الظلامي به فسحات  النور واحكم قبضته على التقاليد والعادات , فما عاد لحياة المرأة في الوطن الا اللون الاسود وغصات العبرات والحيرة ..
اخيرا, تحية لكل من وهبنا لحظة استمتاع بلوحة فنية فجرت الجمال في دواخلنا, او موسيقى  تمايلنا على انغامها طراوة ومحبة,  او عرضا مسرحيا ابكانا واضحكنا, او طربا اصيلا طار بنا نحو النجوم, او شعرا هز الروح والفكر او قصة فتحت امامنا ابواب الخيال, او محاضرة افادتنا وانعشت الذهن للفكر الجديد..
وتحية شكر  وتقدير وامتنان لكل القائمين على هذا المهرجان من اعضاء نادي الرافدين العراقي في برلين, الذين وهبونا فرصة الاحتفاء ببعضنا, واهتموا رغم ضعف الامكانيات بتنظيم هذا اللقاء السنوي الهام , وهيأوا لنا كل مانحتاجه  في  عالم الفكر والثقافة الانسانية بعيدا عن عيون رقباء شحذوا خناجر احقادهم لتخريب تلقائية الانسان ومحبته الفطرية للآخر..
29-8-2009