نافذة

هل استطاع الاعلام العربي التأثير على الغرب؟ Print

هل استطاع الاعلام العربي التأثير على الغرب؟
بلقيس حميد حسن

سألتني جهة اعلامية عربية  حول رأيي في الفضائيات العربية وهل استطاعت ايصال صوت الانسان العربي الى الغرب؟ فأجبت على السؤال, لكنها لم تنشر إجابتي, ربما كانت هذه الجهة راغبة بسماع كلمات مديح او ثناء للفضائيات العربية, وها انا اقول رأيي بصراحة.
لم تستطع الفضائيات العربية حتى الان ان تقنع احدا, فلا المشاهد العربي الواعي مقتنع بما تقدمه الفضائيات العربية بخصوص قضاياه الكثيرة والمتشعبة, ولا هي اوصلت صوت الفقراء والمهمشين والمقهورين والمستعبدين " بفتح الباء" الى العالم. ففي كل الحالات كان الاعلام العربي  رديئا وغير قادر على اعطاء صورة حقيقية صارخة عن الانسان  العربي ان كان  مقهورا من حكوماته  واجهزتها القمعية ام من المليشيات والعصابات المتنوعة الوجود والاسباب, ام مقهورا من دولة محتلة او مسيطرة تحت اي مسمى, ام مقهورا تحت ظل التقاليد والاعراف والمفاهيم الموروثة المتخلفة والتي لاتتناسب مع التطور الكوني الذي يسحق بطريقه كل متخلف عن الركب..
هل انني  أطلب  ماهو غير منطقي؟
نعم, قد يكون طلبي لامنطقيا, فالاعلام العربي المتمثل بالفضائيات خاصة, هو أما ملك شخصي لصاحب مال يصطاد فرائسه حسب هواه من الاعلاميات لا على اساس الكفاءة والقدرة على العطاء, انما على اساس القبول بشروطه التي ليس لها اية علاقة بالاعلام. او هي مملوكة لحكومة ديكتاتورية تتكون على اساس ديني وعقائدي  وعشائري لايقبل الحوار ولايقبل الرأي الاخر, هدفها الاول التمجيد بقادتها وعائلاتهم العريقة, المناضلة, الشجاعة, الكريمة, الذكية, والفاضلة التي تعود انسابها غالبا للنبي والائمة الكرام. او هي ملك لحزب او منظمة لا يعلم احد من أين جاءت بالمال ومن هو ممولها, ولم يسألها أحد من أين لكم هذه الملايين التي استثمرتموها بفتح محطة فضائية مثلا وقد كنتم حفاة.
من المنطقي ان يكون لنا اعلام غير مقنع, اذ مازال اكثريتنا نحن العرب  تفتخر ببطولات  واخلاق وتقاليد القرون الوسطى. كما ان اكثرية مجتمعاتنا المبرقعة من الخارج والمتفسخة من الداخل لاتقرأ ولا تكتب وان قرأت فلا تتجاوز قراءاتها حدود القديم المهتريء وغير الناجع لمصائبنا الحالية, غير باحثة ومتمردة على الواقع الاليم وغير مهتمة  بفلسفة الشك والمقارنة وفتح افاق الذهن نحو عوالم اخرى تطل على العقل العربي المستمريء ركوده عند القرون الوسطى..
ثم كيف نريد ان يتأثر العالم بنا وان مانطرحه لازال مضحكا وكاريكاتيريا امام الحضارة الاخرى الحديثة, فبرامجنا تثير السخرية, وقوانيننا لازالت بحدود وممنوعات وعقوبات تجاوزتها كرامة البشر. لازلنا نجلد النساء ونتدخل بلباسهن, ونقطع رؤوسهن ان اقتضى الامر. لازالت عقول غالبية الاعلاميين تؤمن بالموت والشهادة والانتحار وتعتبره بطولة, ولازال دفاعنا عن قضايانا في الاعلام  متخلفا. لازالت برامجنا منهمكة بمناقشة طريقة الوضوء والتيمم وغسل اليدين سبع مرات, ولازال الناس يتصلون  بالإمام على الشاشات ليحدد لهم النجاسة والنظافة ومشاكل قطرات الدم  أيام الحيض والحلال والحرام في الجنس وما الى ذلك من امور تجاوزها الزمن مما جعل سوانا من الأمم يرانا بمصاف المعتوهين. فكيف سيتأثر العاقل بالمجنون؟
كيف ستؤثر الفضائيات العربية بالغرب ان كانت هي ذاتها غير مقنعة لأغلب العاملين بها, فقد التقيت بعشرات الاعلاميين من العاملين بالفضائيات العربية الذين يسخرون من اعمالهم ويجيبون علينا بان لقمة العيش تتطلب الاستمرار في عمل غير مقنع, لكنها الحاجة التي تدفعهم للعمل بها, وان المتتبع للفضائيات العربية يلمس وبشكل فاضح كثرة الذين يعملون به بلا كفاءة ولاخبرة وبذات الوقت هناك طاقات اعلامية كبيرة مهمشة ومبعدة عن الاعلام العربي اما بسبب صراحتهم وصدقهم او لأسباب المحسوبيات والواسطات والمحاصصات وما الى ذلك.
من المنطق ان لاننتظر نجاح الاعلام العربي كثيرا, لانه نتاج مجتمع  خائف من كل شيء, كما ان العاملين فيه اغلبهم من الذين يجبرون على الركوع والخضوع للسلاطين والرؤساء او لجهات غير معلومة يشوب اهدافها الغموض والسرية, والا ماكان سيسمح لهم بالعمل الاعلامي والاستمرار فيه, رجال خائفون من مئات الجهات المتلصصة على حياتهم.
من هنا نعود الى الاستنتاج الأهم والذي أثبتته كل تجارب الشعوب وهو اننا لو وضعنا الانسان المناسب في المكان المناسب قد نستطيع ايصال صوتنا للعالم, اما ان يكون الفضاء للاغنياء ومريديهم من غير اصحاب الكفاءات, او ممن كان مسحوقا وفجأة باع نفسه لمالكي المال فاختلـّت عنده القيم التي لم تكن قد ترسخت في روحه اصلا حين باع نفسه, فلا أمل لنا بنجاحه حتما. وبالتالي لا امل لنا في معرفة العالم بما يصيبنا.
وان قال قائل ان الاعلام العربي قد اوصل صوت العرب في بعض قضاياهم, أجيبه بأن الفضل ليس للفضائيات والاعلام, انما للجالية العربية في الخارج والتي استطاعت ان تضع نقاطا هامة امام المهتمين في حقوق الانسان بالعالم..
28-3-2010
www.balkishassan.com


نشر في الحوار المتمدن ومواقع اخرى