نافذة

الدين لله , والوطن للجميع Print

الدين لله , والوطن للجميع  


   بلقيس حميد حسن                                                                  

اعتقدت ُ  قبل الآن , ولازلت أعتقد, بأن العراقيين يملكون طاقات هائلة جمدها النظام الدموي , وبعد سقوطه , انطلقت الى فضاءات غير محدودة , ابداعا , فكرا وعطاءً,  أقله بداية عهد جديد مليء بالمحبة والتسامح لكل العراقيين , خاصة أهل الإبداع  والضحايا  والذين هاموا بالمنافي وعانوا كثيرا قبل ذلك من قسوة النظام وجوره... لكنني وأقولها بصراحة , أصاب بالإحباط أحيانا وأنا أرى العراك على صفحات المواقع الألكترونية , هذه المواقع االتي بإمكاننا جعلها صوتا ثقافيا , حرا  و رائدا يعوضنا عن قيود أغلبية  الصحافة العربية  ومحسوبياتها ومنسوبياتها, إضافة لشروطها المفروضة على أفكارنا ومقص رقابتها الحاد.
 لقد عايشت الصراعات حول قضية المرأة وهو صراع صحي لكننا كنا نتمناه أن يكون أرقى من ذلك , وأن يكون نقاشا صريحا بدون جروح وواضحا بدون فساد للنية, لم أتدخل في الصراعات التي تتناول شخص انسان بعينه من كتاب ومبدعين, لإيماني بأن المواقع  الألكترونية  للفكر, وللرأي المفيد ولإثراء القاريء لا التهجم عليه وإهانته , مهما كانت الأسباب, كما أنها لا لأستعراض العضلات حتى ولا العضلات الثقافية .مؤمنة  بأن المثقفين العراقيين  قراء ممتازون , وأصحاب رأي وقضية وإن الإختلاف بالأفكار موجود بكل زمان ومكان وهو دليل وعي واطلاع  ومهما حاولنا أن نقارب من وجهات نظرنا لابد وأن يكون هناك  إختلاف بأشياء كثيرة , فالبشر لم يخلقوا على صورة واحدة ولا لون واحد وكذا عقولهم , وهذا ليس لنا يد به , بل أننا لا نعرف أسرار الكون , وليس منا إنسان واحد يملك مفاتيح الألغاز والحقائق, كل الأفكار التي نطرحها هي وجهات نظر قد تصيب وقد تخطيء , كل الأديان السماوية وغير السماوية , بل وكل الفلسفات تحدثت عن غموض الكون وصعوبة كشف أسراره , وأعطتنا درسا وعظة  بضعف الإنسان وعدم قدرته تغيير الأقدار والوقائع بل عدم تغيير ما بداخله  ولو للحظة واحدة أحيانا بنفس الوقت الذي يستطيع به  أن يقوض نظاما سياسيا واقتصاديا  كاملا بكل سيادته وجبروته ,  وعلمتنا أننا لا نستطيع أن نعيش كما يحلو لنا , وهذا الإختلاف إحد أسباب عذاباتنا التي أوجدت لنا الأديان به حلاً, وسعيد من إستطاع  بلوغه , الا وهو التسامح ,أوما نسميه بالمفهوم السياسي الحديث الديمقراطية  وقبول الرأي الآخر , والذي  يؤكد عليه الطب النفسي, وعلوم الصحة اليوم,  حيث يذكر  أن الشخص الذي يتسامح مع الآخرين يحصل على مناعة أقوى ضد الأمراض, إذن لماذا ننظر للدين على أساس عدواني , ننبش به بنية محاولة الإيقاع بمن يؤمن به , بالوقت الذي نستطيع أن نجد ألف قول والف فكرة به لتجعلنا نتسامح ,  فقد نجد في كل دين من الأديان والفلسفات ,  من الحكم العظيمة التي تبني أخلاقا عظيمة إن أراد المرء السير بها حتى وإن لم يكن مؤمنا بدين من الأديان , نجد مثلا بعض أقوال الرسول حول  الرقة واللطف الواجب  التعامل بهما بين البشر, حين يقول ( لا يتناجى إثنان دون ثالث, فذلك يحزن قلبه) كم رائع هذا القول وهذا النبي,  إذ يريد أن تتفشى المحبة بين البشر ويكون سلوكهم فيما بينهم غير جارح , كذلك تجد بالكتاب المقدس أشياء رائعة مثل هذا,  ولا أشهر من قول السيد المسيح  حين دافع عن مريم المجدلية وخاطب الناس( من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر), وإن بحثنا في الأديان التي اعتنقها البشر جميعها نجد ما هو رائع وجميل , فالبوذية بها من الحكم والعظات ما يذهل وكذا الهندوسية والمندائية واليهودية  وغيرها من الا ديان وأنا لست بصدد تعداد الأديان , إنما بصدد توضيح فكرة مفادها أن الأديان جاءت لخدمة البشر وبنية سليمة لا لإتعاسهم وإشعال الحروب فيما بينهم.
أما أن الأديان أغلبها ما عادت تتمشى مع الزمن الحالي , فدعونا ننظر من فعل هذا بها ؟ على الأقل لأناقش الدين الإسلامي الذي درست بعضا منه وبعضا من شرعته  , إن الرسول العربي نسخ العديد من الآيات وهناك علم خاص بالناسخ والمنسوخ  وهو( بمعنى الملغي من الآيات)  من القرآن وأسبابه, وكان حين يسأل الصحابة رسول الله عن سبب النسخ أغلب الأحيان يقول لهم أن الزمن تغير , لنلاحظ وبدقة , أن الزمن منذ بدء  الدعوة الإسلامية حتى نهايتها بوفاة الرسول هي 23 عاما , وقد  ألغى النبي الكثير من الآيات  بسبب التطور الحاصل بحركة الطبيعة التي لا يتوقف, إذن لماذا توقف هذا الزمن منذ 1500 عام حتى الآن , منذ عهد النبي حتى عهدنا هذا , ألا نستنتج من هذا أن الذي أجرم بحق الإسلام هم حملة رايته وفكره , أصحاب الأمانة الذين أؤتمنوا عليها ؟ و الذين أصبح لهم الإسلام دكانا سهلا للرزق دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث فيما يتفق مع الزمن أو مالا يتفق؟ ودون أن يفكروا هل هم يرضوا الله بما يفعلون أم لا, إنهم الشيوخ والأئمة الذين لم يكلفوا أنفسهم اليوم عناء توعية الشباب بمبدأ التطور الحضاري الذي لا يتوقف  والذي علينا مرافقته بوعي وذهن متفتح حفاظا على هذا الدين وعلى بقاءنا كأمة  وإلا أصبحنا بأسفل درجات الحياة التي  يعيشها غيرنا من الشعوب, ونبقى نلطم ونضرب بالقامات والسيوف  على رؤوسنا وهو قتل للنفس وإيذاء  حرام  لا يمكن أن يختلف عليه اثنان  من علماء الدين الحقيقيين والذين يخشون الله حقا . 
كما أن القرآن يمكن تفسيره تفسيرا يسيرا وحضاريا يتفق حتى مع التطور الحاصل اليوم بأوروبا وسواها ,وكما قال الأمام علي أن القرآن حمال وجوه , اذن  يمكن تفسيره بما يتناسب وحركة التطور في أي مجتمع , وفي أي زمن, هذا إن شئنا لهذا الدين البقاء وللبشر حياة هانئة ينعمون بها دون اللجوء الى الشتائم وتحميل الدين ما لا ذنب له به.
ثم أن هناك الإجتهاد الذي يستفيد منه العالم  فيشرع  ما يوفق بين الدين والحاجة الإنسانية في أي زمان ليحل الإشكال الحاصل , عندها لا يصبح الإسلام عائقا ضد التطور ولا عائقا ضد بناء المجتمعات الحضارية التي ينعم بها الإ نسان با لرفاه  منذ الطفولة حتى الكبر, فأين اجتهادات علماءنا في زماننا هذا ؟ ولم لم يفكروا ويجتهدوا بكل ما هو جديد ويفسروه حسب  روح الأيمان وحاجة المجتمع له؟ 
إنني لست مع خوض النقاشات الفلسفية التي تجعل الخلاف فيما بيننا أعمق  والهوة أكبر, لأنني مؤمنة تماما أننا يجب أن نناقش الآن شكل الحكومة التي نرغب , وشكل النظام الإقتصادي الذي سنساهم به ونعيشه , يجب أن نناقش كيفية العمل بمؤسسات الدولة الجديدة المقبلة وعلاقة الإنسان العراقي بهذه الحكومة , والأسس التي تنظم هذه العلاقة ,وماذا سيدرس أبناء العراق في المدارس من مناهج تعليمية تبني أساسهم العلمي والثقافي.
 إنني مؤمنة أن  الناس في خضم التطور الإ قتصادي والشبع والهدوء الذي ينعمون به , في ظل حكومة ديمقراطية وطنية , تعطي الإقتصاد والأمن أهمية  أساسية , تؤمن للناس  حياتهم وتضمن لهم شيخوختهم وكرامة أبنائهم من بعدهم , يصبحون أوتوماتيكيا , أناسا متسامحين , متفتحين ,محبين للوطن , عاملين على خدمته صادقين ,  محبين للآخر يتمتعون بأعصاب هادئة تحتمل الرأي الآخر مهما كان إختلافهم معه , إذ هو لا يسن لهم تشريعا يقهرهم بالسجون ويبيدهم بالحروب, أو يضيع عليهم كدهم وجهدهم ويذيقهم أنواع العذاب والبؤس, , أو يضيع أعمارهم بالمنافي والبلدان دون استقرار, أو يسلط فئة على أخرى بدافع الإنفراد بالسلطة  والإستغلال الأناني  لمقدرات وخيرات البلد من جانب فئة أو  عائلة أو حزب أو فرد. إن الدعة بالحياة تهديء الإنسان وتجعله يفكر بما يضفي على حياته الفائدة والمتعة وما يملأها حبا وهناءا, إن الإنسان ابن ظروفه والإستقرار السياسي والإقتصادي أكبر عامل ببناء شخصية المرء وعلاقته بالآخر , وأتذكر هنا علي بن الجهم , الشاعر البدوي الذي جاء للخليفة المتوكل مادحاً له فقال:

أنت كالكلب في وفاءك للعهد وكالتيس في صراع الخطوب
أنت كالدلو- لا عدمناك-  دلوا  من كبار الدلى كثير الذنوب

ضحك المتوكل وعرف أن نيته سليمة وقد أراد مدحه لا ذمه لذا انطلق بما عرفه  من  واقعه الصحراوي الذي علمه هذه الكلمات دون سواها , فأمر له الخليفة  ببيت على ضفاف دجلة,  يطل على  بستان من بساتين بغداد,  قريب من الجسر , وبعد ستة أشهر أرسل له ليسأله ما كتب من الشعر فأنشده القصيدة التي مطلعها :

عيون  المها بين الرصافة  والجسر
جذبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

حتى قال الخليفة كدت أذوب من رقة هذا الشعر حين سمعته .
 إذن مشكلتنا الأساسية هي حياتنا,  إستقرارنا ,  ومتطلباتنا المعاشية  أولا وقبل كل شيء , وحين يعيش الناس  برفاه , يكون طريق الإلتقاء بين مختلف الفلسفات والأديان أكثر انفتاحا , عندها ستتصافح الأيدي بود ويكون النقاش متعة وكما يتبارى فريقان من فرق كرة القدم من مختلف البلدان لا جامع بينهم سوى النية بالفائدة  وإمتاع المتفرج  بعطاءات

الروح الرياضية السامية

2003.