نافذة

من مستلزمات الحضارة الحلقة الخامسة /الضمان الاجتماعي حق للمحتاجين Print

     من مستلزمات الحضارة الحلقة الخامسة /الضمان الاجتماعي حق للمحتاجين 

           بلقيس حميد حسن                                                                    
                                                                      

من مستلزمات الحضارة الحقة ان يكون هناك ضمانات اجتماعية ورعاية لكبار السن والعاجزين من الضعفاء والمعاقين والعاطلين عن العمل, ومن قيم الحضارة أن تقدم هذه الرعاية الاجتماعية بطريقة تحفظ  للمحتاج ماء وجهه ولا تريقه في الشوارع خاصة عندما يكون هذا المحتاج امرأة, أي الأم التي نكرر دائما انها مكرمة من الرب وبأن الجنة تحت اقدامها.. 
رأيت في احدى الفضائيات تقريرا حول طوابير نساء من الفقيرات وعوائل الشهداء والمستحقات للرعاية الاجتماعية في مدن البصرة والعمارة, ووضع هذه الفئة من العراقيين لايختلف عنه في بقية مدن العراق.
فهل الرعاية الاجتماعية تكون لمساعدة المحتاجين ام لإذلالهم, إذ شاهدنا نساء ً في ظروف اسوء مايمكن, يرابطن منذ الفجر في الشارع امام كوة البريد, معرضات للحر والبرد والرياح والاهانات والتدافع مع العاجزين من الرجال الآتين لذات الغرض والمعرضة كرامتهم للهدر في الشوارع بسبب فقرهم وعجزهم او اعاقتهم.
يتجمهرون باعداد غفيرة, والقهر والمرض أعيا  قواهم فبدت مظاهر الشيخوخة عليهم مبكرا. بعض النساء يصطحبن اطفالا, يفترشن الارض, يلهثن من التعب بعد انتظار ساعات طويلة. يتكرر هذا الانتظار لأيام واحيانا يصلن شباك العطاء متأخرات فلا يمنحهن سوء الحظ فرصة استلام اية مساعدة او ضمان كراتب تقاعدي مثلا فيعاودن المحاولة في الأشهر المقبلة وهكذا يستمر مسلسل العذاب.
على هذا المنوال يطاردون أمهات وآباء الشهداء او زوجاتهم منحة الوطن لهم والتي لاتكفي لدفع غائلة الجوع بعد ان منحوه دماء فلذات اكبادهم واعمارهم الموشكة على الانتهاء..
السؤال الذي يطرح نفسه هو:
لماذا اهمال معاناة الفئة الكبيرة من فقراء العراق الفاقدين امكانية الحصول على مصدر للرزق خاصة وان الدستور العراقي ينص في مادته الثلاثين على مايلي:
المادة 30
أولاً :ـ تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم.
ثانياً :ـ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم ، وينظم ذلك بقانون .
فأين تطبيق الدستور مما يحصل على أرض الواقع؟ ولماذا على هؤلاء ان يتعذبوا كل هذه العذابات ليستطيعوا البقاء على قيد الحياة بحالة يرثى لها في بلد النفط والملايين التي تسرق وتبذر هنا وهناك؟
لماذا يوضعون بموقف يهينهم وكأنهم يستجدون من المسؤولين حق مواطنتهم وحقهم في حياة بائسة عاشوها زمن النظام البائد ولازالت تسوء يوما بعد آخر؟
بما أن فئة المستحقين للرعاية الاجتماعية  تشكل نسبة كبيرة من ابناء وبنات العراق بسبب مامر على البلد من حروب واستبداد  وارهاب وعنف لسنوات طويلة خلفت الافاً مؤلفة من أرامل ومعاقين وايتام ومطلقات وعاطلين, فلماذا تتأخر الحكومة بإيجاد الحلول الناجعة لإنهاء معاناة هؤلاء المسحوقين التي لم تتغير ظروفهم المزرية رغم الوعود التي تقطع لهم خاصة فيما قبل الانتخابات, حتى اصبحت معاناتهم مادة رئيسية لكثير من برامج الفضائيات التي لا أدري لماذا لايراها المسؤولون.

اننا يوميا نراهم على شاشة التلفزيون مفخخين بشعور القهر والغبن والحرمان حتى أصبحت حياتهم مأزقا ينتظرون الخروج منه مما يدعونا للمطالبة بجملة من الاجراءات التي لابد منها لانهاء عذاباتهم وهي
*أن يتم تشريع قانون للضمان والرعاية الاجتماعية يمنح المحتاجين امكانية العيش الكريم آخذا بعين الاعتبار حاجة الانسان الى السكن والضمان الصحي والحاجات الضرورية  الاخرى التي نص عليها الدستور, مدعوما بمؤيدات جزائية كعقوبات تفرض في حالة عدم تطبيقه على الجهات المقصرة او المعرقلة لرعاية المستحقين وذلك حفاظا على نسيج المجتمع وسلامة افراده من الفقر والتشرد والاحساس بالظلم الذي يجنبهم القيام بافعال تؤذي النفس والمجتمع والوطن.
* ان يتم استلام المستحقات بطريقة تليق بهم كبشر, وكحق ٍ لا فضل اومنـّة يجعل النساء الفقيرات والعاجزين يتوسلون بأيدٍ ممدودة بشكل مهين لكوّة البريد, مما يتوجب على المسؤولين ان يخططوا بشكل افضل وباسلوب يجنب هذه الفئة الإهانات, وبما ان الوضع في العراق ليس مؤهلا لفتح حساب بنكي لكل فرد من هؤلاء لينزل استحقاقه الشهري في حسابه دون عناء كما هو في اوروبا, كما أن الوضع لايسمح بانتشار آلات اوتوماتيكية يستطيع من خلالها الاشخاص سحب مايحتاجون من حسابهم اينما كانوا, فمن الضروري تقديم المساعدة لمن يحتاجها من المواطنين بسرعة مع حفظ كرامته دون انتظار وفوضى وذلك بفتح مراكز رعاية اجتماعية في كل المناطق ليتم تسجيل المستحقين كل حسب منطقة اقامته بعد دراسة اوضاعهم والتأكد من احقيتهم لها.
*يتم تحويل الاموال المخصصة للمحتاجين من البنك الى فروع الرعاية الاجتماعية حسب مالدى كل فرع من اعداد مسجلة من المحتاجين, فيستلم كل محتاج مخصصه من مركز الرعاية الكائن في منطقته دونما حاجة لقطع مسافات قد لايستطيعها المستحق الذي يكون غالبا كبير السن او مريضا او معاقا او أم تضطر لاصطحاب اطفالها في ظروف واجواء غير مناسبة, ولكي تمنح المساعدة  بشكل لائق لابد وان تحتفظ دائرة الرعاية بمخصصاتهم التي يستطيعون استلامها متى حضروا ليجنبهم الكثير من المعاناة كالتجمهر والتردد المستمر والخيبات الشهرية امام دائرة البريد.
للاسف هناك الالاف من المحتاجين لم يحالفهم الحظ  ليكون لهم  مساعدة اجتماعية, فقد رأينا وسمعنا تقارير اخرى عن الاوضاع المزرية للمحتاجين في مدن مثل الناصرية وغيرها من مناطق العراق المهملة والبائس اهلها حيث لم يعلم احد بمعاناتهم ولم يسجلوا لا كعاطلين عن العمل ولاكعاجزين او معاقين, بل هم ينتظرون المحسنين من الناس ليتصدقوا عليهم .
فمتى يكون للعراقي حياة كريمة في بلاد النفط والنخيل؟
1-2- 
2010

مجلة نون العراقية