نافذة

مدارات مريم نجمة Print
امدارات مريم نجمة
بلقيس حميد حسن

عن دار النشر بافت في ألمانيا وتحت عنوان " مدارات الكلمة " صدر ديوان الشعر الأول للمناضلة والأديبة السورية مريم نجمة, المربية وألام التي تناقلتها الغربة بكل همومها ودموعها لتنثر للناس جميعا باقة ورودها عبر الكلمات , حيث تبتدأ كتابها بـ " في البدء كانت الكلمة .."
وبهذه البداية التي ألحقتها بأجمل أفكار منحَـنا إياها العهد الجديد من الكتاب المقدس
" تحولوا إلى صورة أخرى بتجديد عقولكم "
" كأطفال مولودين ألان , تناولوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنمو به"
" الكلمة قريبة منك , في فمك وفي قلبك "
المناضلة في سبيل الحرية والإنسان اختارت من المقدس ما يناسب العقل البشري في زماننا الحالي , لم تختر ما هو جامد وثابت لا يتغير بل ما هو نافع لكل البشر في كل زمان ومكان لتبتدئ كتابها بأروع كلمات تهديها لنا جميعا كامرأة تمثلنا بكلماتها المضيئة المليئة بالنبل وحب الحياة , كلماتها الفراشات طائرة حاملة في أجنحتها عبق الربيع وجنات المستقبل الذي نحلم ... نقرأ من مدارات الكلمة :
الكلمة ابنة مدللة
الكلمة تولد منا .. وفينا
تغني .. ترقص.. وتصرخ
الكلمة ..
تبرعم .. تزهر .. تنمو .. تخضر .. وتثمر
تصرخ .. وتبكي .. وتتنهد
الكلمة
تقتل.. تجرح .. تذبح .. تدمي
وتداوي .. وتغذي
الكلمة
الكلمة جنين.. وليد.. وطفلة
إذا لم نلتقطها. نحظنها . نضمها . ونلفها
ونضعها فوق سريرها
في سطورها
تذهب . تتلاشى .. تهرب
وتموت.....

لقد خلقت المبدعة من الكلمة روحا تدخل كل قلب وبيت , بل منحتها من روحها لتطير إلى ابعد مكان وارفعه لترتقي بالإنسان وتكون نبراسا له حينما تقف بجانب الحقيقة وبجانب المقهورين , حين تكون الكلمة ماءا للعطاشى وورقة توت للعراة وحين تكون أرضا للمبعدين تمسح عنهم دموع الغربة والمنافي , لقد ذاقت الأديبة مريم كل أشكال العذابات , من الفقر إلى السجن و المنافي وفقدان الأهل والأحبة إلى فقدان كل شيء بمفهوم الناس الحسي الملموس , رغم كل هذا لم تقف عند عتبة اليأس ولو بعد زوال الأحلام والطموحات وبقاء أوراقها حبيسة المكتبة والهجرة وحقائب السفر لسنين طويلة تقصيها الممنوعات والصعوبات واللاممكنات , بالكلمة نفضت السيدة مريم نجمة عنها غبار كل ألم, ومرارة كل حزن لتنهض مثل تمثال الحرية رافعة يدها بشعلة نور ونار عبر كلماتها الغنية ناسية أنها لا تملك بمفهوم سوق المال أي شيء بل متيقنة ومؤمنة أنها تملك بكلمتها كل شيء , لم تكن راضية عن كلمة شعر كتبها الناشر على غلاف الكتاب , بكل تواضع تقول حانية رأسها خجلا وتواضعا انه مجرد خواطر ,, لله در الطيبين النادرين في عالم ٍ يتحارب به الناس ويتقاتلون على لقب .
لله درك أيتها الأديبة وأنت تجترحين للكلمة عوالم وتمنحينها الانطلاق لتدور وتدور ككرة أرضية تبحث عن النجاة ,,نقرأ في مدارات الكلمة شيئا عن الكلمة :
ما أروعك
ما أروعك عندما تنامين على الورق
الورق الأبيض
أو الأسمر
أو الملون ,
لا فرق
مختبئة بجوهرك
حتى يوم القيامة !
نظيفة ..أنيقة
مقدسة .. وطاهرة كالبخور
تطلعين من منجم الأرض
إلى بلور الشفافية
..........
يالك من ملكة
من نحلة . . وفراشة
تنظمين . تغنين
وتطعمين خلية العقل
بهندسة حروفك
وحلاوة شهدك..
تركز الأديبة هنا على العقل وكأنها تدافع عن عقل المرأة بالكلمة التي ترفعها إلى مصاف المنقذ, فالكلمة أنثى والأنثى أسيرة عقول بالية رافضة التغيير الذي تستشهد به السيدة من الكتاب المقدس كشاهد على أن الدين براء مما يفعلون باسمه. تؤكد على أن العقل هو القادر الوحيد على تغيير الكلمة من حياة إلى موت وبالعكس , وطوبى للذي يحيل الموت حياة لتورق الأرض بكل ما هو طيب وتتفتح على الأرض الجنان.
آسفة أيتها المبدعة فأنا لست بناقدة, إنما أنا قارئة لروحك عبر كلمة طيبة تطلقينها في فضاءات لامحدودة لتحرك مياه راكدة هنا أو فلسفة لازالت تؤرق البعض وتميته هناك , بذات الوقت الذي تحيي به أمواتا من سبات لامسؤوليتهم المتناهي....
أخيرا ... الإبداع هو أن تخلق من مصطلح واحد كتاب, كتاب يجد الجميع به ما يطفئ ظمأهم ويرش على أرواحهم إشعاعا من الحب وطلا في هجير زمن عنيف , وهذا ما فعلته السيدة مريم نجمة لتقول لنا , هاهي كلمتي بين يديكم وانتم الحكم فيما أقول , فان كانت شعرا فهي لكم, وان كانت خواطر فهي لكم أيضا وان لم تكن سوى كلمات عذبة فهي هدية لكم ........
وان ابتدأت السيدة مريم كتابها بقول " في البدء كانت الكلمة" فان "بورخس" يقول :
الكلمات وحدها الباقية بعد فناء كل شيء............
10-10-2005