نافذة

لعالم بعيون النساء : مع الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن (مقيمة في هولندا) Print

لعالم بعيون النساء : مع الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن (مقيمة في هولندا)
المستقبل المشرق قادم لامحالة مهما تأخر حصادنا
 
       
 
إعداد: منير الشرقي
        
تجري جريدة الاتحاد الاشتراكي سلسلة " حوارات مقتضبة " مع وجوه نسائية من المغرب و الوطن العربي حول مواضيع راهنة تحظى بانشغال المفكرين و الأدباء ، و هي مناسبة لإثارة أسئلة كبرى حول ما يشهده العالم من تحولات متسارعة و ما تحمله اللحظة من حمولات و أسئلة فكرية كقضايا الهوية ، الحداثة ، التنمية، مسار القضية الفلسطينية ، مستقبل العراق و دور المثقفين و قضايا أخرى جديرة بالتأمل و الإجابة •••


" كيف تنظرين إلى التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم؟

" نعم ••هو زمن أسرع من كلّ زمن مرّ سابقاً في التحولات الهائلة التي نشهدها على مستوى التواصل الإنساني، ولأضع الإنساني هنا بين قوسين كبيرين و علامة تعجب وعلامة استفهام لسؤال لابد أن نجيب عنه في سياق الحديث، القوس الذي يطوق الإنسانية من اليمين سنعني به هذا القدرية والحتمية، وهذا المشهد الدموي المفزع في كلّ مكان ، ثمة زحف وعصف كارثي لليمين على حساب الإنسان••أما القوس المنحني برفق من جهة اليسار فهو بالكاد يحاول جمع ما تبقى من إنسانية الإنسان • أعتقد أن الكثير من التحولات المتسارعة جاءت في وجه لا ينفع كثيرا، وتكاد السلوكيات المرافقة لفوائده ترسّب لمظاهر وسلبيات تبعث الشلل في مفاصل هذا التسارع، بل إنها تقذف بالعصا في العجلة المتطامنة المسير••

" إلى أي مدى أثرت هذه التحولات في نسق القيم ؟

" المشكلة في الإجابة عن هذا السؤال تكمن في معرفة ماهية القيم أصلا، وكيف سنعرف،أو لنقل كيف سنتفق على هذه القيم، ومثل هذا الاتفاق بالطبع هو مسار الجدل على هذه التحولات لأن تعريفها مختلف ومغاير في كلّ ذات ثقافية ، أو متفاوت ،شخصياً؛القيم لدي لم تعد ذلك المشروع الحزبي، ولا حتى المشروع الديني النصي، والتأويل المنصوص عليه وفق زمنية معينة، بل هي قيمة ثابتة تصلح لكلّ زمان وتواكب كلّ ثقافة• ومن هنا،أجد أن مستوى القيمة المرتجاة هي في حق الإنسان، المتبلور من سمو كل وعي راق وحضاري، وعي مشتركٍ في البحث عن كرامة الإنسان وإنصافه، وصياغة مفاهيم بهذا الاتجاه تستحق تدويلاً وعولمة وانتشارا ودعاة، وليست قيماً حربية تخرق حق هذا الإنسان بمسميات وحجج كثيرة، حق الإنسان في الأعراف الدولية المتفّقة مبدئياً على منظومة قيمية معينة،لا تحدّها خريطة وليست مفصّلة لشعب دون آخر• ثمة تحولات هامة وفي الجانب الداعم للقيم الإنسانية، وذات هذه التحولات في مكان آخر ساندت الهدم والزيف في القيم الإنسانية، وإنجرافها صوب المؤسسة الحاكمة، أو السلطة عموما؛ السلطة السياسية، بكل أشكالها ولا نستـثـني حتى السلطة الرابعة وما نراه من زيف وتخبط قيمي في الإعلام وصل أقصاه الآن•

" العالم يقوده قطب وحيد اليوم، كيف نعيد التوازن ؟

" القطب الواحد شيء غير موجود أصلا وهو لا يصح فيزيائيا أيضا، ولا يمكن أن يفسر كظاهرة وفق رؤية فلسفية، ثمة أضداد في كلّ شيء، وكلّ فعل يحمل هذه الضدية التي ربما تكون مسببة الفناء، وهنا لي أن أتذكر قانون الديالكتيك، كقانون غير القانون الذي ينظم حقوق الناس بالطبع والذي درسناه في الجامعة ولكن كقانون تعلمناه وتثقفنا فيه عبر حياتنا اليومية وقراءاتنا، ولست أنسى المثال الذي يضربه الفلاسفة والشرّاح لديالكتيك الأضداد الفانية، عبر مثال البيضة التي تخصّب ليكون الجنين، وهنا لابد من وضع جديد لهذا الجنين ليتمرّد على جدار البيضة ويخرج عنه، وأي ثبات أو قطبية سابقة ستعني بقاء الجنين في وضعه الأمر الذي يفني البيضة والجنين كضدين• التوازن بالقادم الذي سيفرضه هذا القطب دون مشيئة منه،والتوازن نصنعه نحن حتى ولو بالانتظار، وأحيانا بفهم هذا الجدل وأوهام القوة، أعتقد أن مواجهات التغيير بغير الفكر قد ولى زمنها، لأنها تعجلّ بالانتحار، فالقطب لديه قوته وهو ينحدر على السفح ولا جنون للوقوف ضدّه•

" مسؤولية المثقف العربي اليوم، أين تتجلى؟

" إنّا نُساق بالطبيعة إلى الموت ونُساق بالعقل إلى الحياة، ربما قال هذا التوحيدي، وهو يعني بالعقل تلك الثقافة التي تـُشذّب الحياة عن ميتات متلاحقة تثقلها وتحاول المرور عبر لحظاتها• المثقف يتجلى في البحث عن هذه الحياة ومحاولة تجميلها فناً وروعة!، آآآآه اللغة العربية عجيبة نحن نقول روعة!، وثمة ترويع يسكن المفردة، هكذا يستطيع المثقف كإنسان أن يخرج الروعة من روعها ووحشتها إلى حيز الحياة والإبداع والفن• وعليه يكون المثقف هنا مسؤولا عن وجوده الفاعل في مجتمعه• وقادرا على تصحيح الحاجات والرغبات في نسقها الإنساني، والارتقاء بها إلى مستويات ومراتب أجمل• المثقف لايطلب منه شيء !، هو يعطي والمثقف الذي لا يجعل عطاءه موازيا لوعيه، ليس مثقفا حقاً،المثقف الحقيقي صوفيا هو ذلك الشهيد، وهذه الموازين حملتها منظومة أخلاقية ثقافية، يتفق فيها المثقف مع الآخر في تحقيق العدالة والمساواة والتثقيف في أرقى القيم الإنسانية التي تحدثنا عنها، وهنا سأجيب عن سؤال الثقافة العربية،بأسئلة أخرى: ترى إلى كم أعطى المثقف العربي؟وهل أيقن هذا المثقف أن طريق ذات الشوكة هو حتمية ثقافية وإن السلطة زائلة والمبدع راسخ في منجزه، وعابر إلى التاريخ الأجمل؟•• إذا وجدنا لهذه الأسئلة في واقعنا العربي الثقافي من إجابات جادة وواعية،تبتعد عن التهريج والبهرجة، وثقافة المهرجانات، وعلاقات النشر وتقاسمات الميراث الثقافي، والعطايا، فسنكون على مشارف التجليات الهامة لدور المثقف• المثقف العربي مازال في فلكين؛ سلطوي، وعلاقوي، وهي محنة تجاوزتها الشعوب التي يليق أن تسمي مبدعها مثقفاً، هذه الإشكالية تدور وتتداول في الوسط الثقافي العربي بوحشة مفزعة•

" ماهو تقديرك للإشكاليات التي تؤرق الفكر العربي؟

" في اللغة العربية، يبدو أن تعريف المثقف فيه دلالة على الغصن النابع من أصل الشجرة، وهذه دلالة في إشكالية مسمى الفكر والثقافة، فها أنت تقول الفكر العربي، هل يوجد لدينا فكر عربي الآن نابع من أصله ومستمر فيه؟ ما شكله وفيم يبحث؟ وكيف تحددت معالمه الآنية وليست مرجعياته وجذوره المنقطعة عن التواصل ؟•لا أجد من حقيقة لوجود مثل هذا الفكر الآن إذا ما عرّفنا الفكر ووضعنا حدودنا لتسميته وحمله على محمل الأمة• الإشكالية تختلف عن المشكلة، ووفق تعريفها الاصطلاحي الفكري، ولنأخذها من رأي محمد عابد الجابري••لنكتشف أنها منظومة العلاقات المنسوجة في فكر ما بتـأثير مشاكل عديدة تترابط بشكل عقدي ولا يمكن حل كل منها على انفراد•• إن هذا التدخل المفاهيمي المتشكل من الممارسات اليومية والخبرات والتجارب هو ما يعرف بالإشكالية•• وأعتقد أن الفكر العربي أصبح يعاني العجز أمام تجاوز هذه الإشكاليات التي تتطلب هدما ونقضا للكثير من الممارسات والعادات وتحطيم خبرات أو نقضها بأخرى•، فمنظومة الأفكار العربية تداخل فيها السياسي بالاجتماعي والجغرافي وكل العوامل التي شكلت مفاصل ما يميز المشكلة ذات العقدة والحل عن الإشكالية التي يصعب حصرها وتعدادها•

" سؤال الهوية ؟

" عراقيا مسمى الهوية هذا يشكل لدينا عقدا سياسية وأخرى اجتماعية لأننا شعب متنوع الأعراق والإثنيات والأديان ولا يمكن لهوية واحدة أن تجمعنا في بوتقتها سوى الهوية الوطنية وهي العراقية وهنا قد تشكل هذه الإجابة استفزازا لدعاة الفكر القومي العروبي، لأني حين أقول الأمة العراقية أعني بها ذلك الوطن الذي يضم جميع العراقيين على اختلاف انتماءاتهم ولأنني احترم الإنسان بكونه قيمة أعلى من كل الانتماءات •

" نحن و الآخر ؟

" الآخر هو أخي بالإنسانية وعلي التحاور معه مهما اختلفنا فحريتي تنتهي عند حدود حريته ، وعلى رأي فولتير وهو الذي اختلف معه ولكني مستعدة أن ادفع حياتي ثمنا للدفاع عنه•

" ومستقبل شعب العراق ؟

" مستقبل الشعب العراقي مرهون بالعملية الديمقراطية وهي رهن الإرادة العراقية التي يحاول البعض ثنيها عن مسيرتها أو دورها الحقيقي والبعض الآخر يمارس عليها أبـّوات دينية يصادر عبرها الوعي العراقي فيؤثر سلبا على أماني شعب العراق بإطالة أمد الجوع والظلم والخراب وتأخير عملية بناء وإعمار العراق وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله• والمستقبل المشرق قادم لامحالة مهما تأخر حصادنا ، لأن المستقبل يصنعه الإنسان لا قدره الوهمي•

" ما هو أروع كتاب قرأته؟

" أروع كتاب قرأته لهذه السنة هو "مدارات صوفية" للمفكر الراحل هادي العلوي•

" المغرب اليوم يتحول ، كيف تنظرين إلى مسار هذا التحول ؟

" إن التحول في المغرب مفرح من بعض النواحي خاصة في ما يتعلق بالانفتاح على الآخر وقضية المرأة ومنظمات المجتمع المدني التي أخذت تتزايد ويتزايد دورها، وهذا لابد منه في عالمنا الذي تعصف به رياح القوى اليمينية والتكفيرية المتخلفة والتي تريد عرقلة النمو والتطور الديمقراطي ببلداننا

2005

 جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية, كما نشر في مواقع الكترونية عديدة