نافذة

فاقد الشيء لايعطيه, رئيس البرلمان العراقي نموذجا Print

فاقد الشيء لايعطيه, رئيس البرلمان العراقي نموذجا

بلقيس حميد حسن                                              


هل يستطيع فاقد الشيء ان يعطيه ؟؟
هذه البديهية التي يشيع استعمالها في تفسير القوانين والمعضلات الاجتماعية وفي كل جوانب الحياة رأيناها اليوم متجسدة امامنا بكل وضوح وكعين الشمس في برنامج بث مباشر على فضائية العربية , حيث كان هناك حوار مع رئيس البرلمان العراقي السيد المشهداني الذي استضافته المذيعة سهير القيسي, وقد طرحت عليه أسئلتها في غاية التهذيب والإحترام , ولم تكن متجنية عليه في شيء ولم تخرج عن اصول التحاور ابدا , ولكن مع الاسف كان هو لايحتمل مجرد سؤال, فنراه قد استفز واستعمل كلمات لا تليق لا برئيس برلمان فحسب , بل لا تليق بأي انسان لديه الشعور بالمسؤولية عن قطيع من الأغنام وليس عن برلمان دولة تنوء بقهر ملايين البشر عبر اكثر من ثلاث عقود عجاف , كيف يحتمل ان يقود برلمانا بحجم البرلمان العراقي وهو يرفض أبسط الحوارات وامام الملايين من البشر , يغضب بسرعة وبدون سبب لمجرد سؤال من واجب المذيعة طرحه عليه ويدعي الديمقراطية , ويسألها هل انت تقودينني ام انا اقودك ؟ لا ادري لماذا يعتقد انه لا بد ان يقودها , والعرف الاعلامي يقتضي ان الاعلامية هي التي تقود الحوار , امر مضحك ان يركز على قيادته هو مع ان الحوار لا دخل له بالقيادة ولاهم يحزنون , وان كان لا يحتمل توجيه سؤال له ويعتبره انتقاصا من شخصيته القائدة , فكيف يستطيع استيعاب برلمان يضم عشرات المكونات العراقية ؟
هل استفز لانها امرأة والمرأة بمفهومه ومفهوم الكثير من اعضاء البرلمان لايجوز لها حتى ان تقود حوارا ؟ لذا نراه يسلط في جلسات البرلمان كل غضبه وكلماته القاسية ان ناقشت احدى البرلمانيات امرا وان كان في غاية الأهمية , وكانهم يجلسون مع هؤلاء النسوة غصبا عنهم , ولو كان بأيديهم لأجلسوهن في المنازل لان عمل البرلماني خاص بالرجال دون النساء , وربما هم يحتملون وجودهن معهم فقط ليقال انهم يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الانسان ؟
عجبا من رئيس برلمان لايحتمل حوارا مع مذيعة , وعجبا من هذا الديمقراطي كيف يقود برلمان دولة يشرع قواعد وقوانين لتنظيم حياة شعب تعداده اكثر من خمس وعشرين الف نسمة ؟
كيف يستطيع الشعب العراقي ان يشعر بالأمان والإحساس بالحرية ورئيس برلمانه لايؤمن حتى بالحوار , انما يتلقى السؤال بهجوم على مذيعة ليس لها ذنب سوى انها عراقية , ولا اعتقد انه سيهاجمها بهذه الشراسة والعصبية وبهذه الكلمات المؤذية ان كانت من جنسيات اخرى , لكن ربما قال بنفسه العراقيون اولى بالمعروف ومعروفه هنا هو ان يحاول اهانتها وطعنها بوطنيتها وكأنها اتت ذنبا لانها عملت في احدى الفضائيات , وبكل تحدٍ وثقة يعتبر عملها عارا لانه خارج العراق ولم يتواضع ويسأل نفسه هل استطاع البرلمان الذي يعمل منذ اكثر من ثلاث سنوات ان يشرع تشريعات ويعمل على تأمين العمل للاعلاميين وخاصة النساء منهم في ظروف تنعم بالأمان والاحترام والتكافيء في الفرص , ليحق له بعد ذلك انتقاد العاملين في الخارج مع انه لا يحق له الطعن بوطنية احد لمجرد عمله بالخارج ؟.. سؤال لابد ان يطرحه البرلمانيون انفسهم على رئيسهم ليحسن تعامله معهم على الاقل .
بأي حق يسمح لنفسه التعدي على المرأة هذه وهي تقوم بواجبها المهني ولم تتعدى ذلك , وهل يستطيع من يتعدى على الآخرين ويتهجم عليهم بهذا الشكل ان يساهم في حل مشاكل العراق وبنائه على اساس ديمقراطي ويسعى الى استتباب الأمن به بهذا المستوى العصبي في الحوار ؟
انني في كل جلسة من جلسات البرلمان استغرب كيف يريدون توقف العنف في العراق والبرلمان يوميا يجسد كل مامن شأنه نشر العنف والفوضى وأول المساهمين بذلك هو رئيس البرلمان الذي يتعامل مع البرلمانيين وكأنهم طلاب في الروضة او الصف الاول الابتدائي, حتى انه في احدى جلساته قال لأحد البرلمانيين ضاحكا :
" على نفسها جنت براقش " وكما نعلم ان براقش كلبة لاغير . فأي احترام واي لغة حوار يتعلمها شعب العراق من قادته , وهل لازال العراقي- وان كان برلمانيا – ممتليء بالخوف من القادة ليحتمل هؤلاء السادة كل اهانات رئيسهم؟ .
هل لازال اسلوب الديكتاتور صدام حسين في التعامل مع العراقيين سائدا وهل هو مكتوب علينا نحن اهل العراق ابدا ؟
الا يشكل هكذا تعامل مع الاخرين , ترويجا للغة الشقاوات والتسلط والتنابز بين الناس , وبالتالي الصراع والتطاحن المؤدي للخراب في العلاقات . واقول للتأريخ :
انني ومنذ السادسة عشر من عمري وانا اعمل في منظمات ديمقراطية عراقية معارضة لسلطة البعث في مجال المرأة والطلبة والدفاع عن حقوق الانسان ولم أر في حياتي اجتماعا او مؤتمرا من عشرات المؤتمرات التي حضرتها وساهمت فيها وفي دول عديدة من العالم , ان هناك مستوى متدنيا للحوار والعلاقات وادارة الجلسات كما هو مستوى برلماننا العراقي بقيادة المشهداني, بل كانت جميعها حتى في ابسط هيئاتها قائمة على لغة الحوار الديمقراطي .
فأي قهر وانحطاط يعيشه العراق اليوم , وهل من أمل لنا في الديمقراطية مع هكذا رئيس برلمان ؟ ..

5-9-2008