نافذة

ايتها الحرية, كم باسمك تقترف الآثام ! Print

ايتها الحرية,  كم باسمك تقترف الآثام !

بلقيس حميد حسن

                                                      
سأسمح لنفسي الإستناد على هذه الصرخة  التي تـُنسب لإحدى ضحايا الثورة الفرنسية , ولو ان هذه الصرخة  تستخدم هذا الزمن الرديء حجة للسلفيين والمتشددين  ضد الحرية والتحرر , على اعتبارها دليلا مضادا  للحرية , لأنهم ينسون الفرق بين الحرية والفوضى , وينسون انهم هم الذين يرتكبون الآثام باسم الحرية التي نؤمن بها نحن,  وتمنحها لهم  مفاهيم الديمقراطية والتسامح والتعايش السلمي بين البشر  ..
 ففي كل مرة اتابع مايكتبه المعلقون في ايلاف , استنتج كم ان مهمة الكاتب والصحفي العربي صعبة للغاية , فقراء العرب من النوع الذي لا يقتنع بأية فكرة تطرح  , لا من باب الطموح بالحصول على ماهو افضل , انما من باب الرغبة بإهانة الآخر في احيان ٍ كثيرة, والآخر هنا هو الكاتب او الصحفي او اي مبدع ينشر ماعنده رغبة منه بالمساهمة بالثقافة في مجتمع عربي يحتاج لكل العقول التي تنتج افكارا وتقول كلمتها لنشر الحقائق الغائبة  عن  جموع الغافلين والبسطاء اللاهثين وراء لقمة العيش بدوامة  حكومات تملكت كل شيء  - وعلى عينك ياتاجر كما يقال-  ورمت بهم بين انياب الفقر والتشرد والمنافي والفاقات والصراعات السياسية والاقتصادية  ..
 ان جموعا غفيرة من الجماهير العربية  بدأت للتو تتلمس طريقها الى المواقع الالكترونية  طلبا للفائدة ومعرفة الحقيقة  من غيرها , وقد بدأت هذه الجموع تبحث بين  زخم هائل من المقالات لبلوغ المعرفة ولينكشف امامها واقعها المأساوي عن طريق المقالات التي يكتبها اصحابها دون مديح لهذا المسؤول الكبير ولا لهذه الشخصية السياسية المسيطرة  او الجالسة على كرسي ابدي..
والملفت للأمر ان التعليقات الآتية من مجهولين غالبا ,ليس لديها اية مهمة تنشدها سوى ان تسخـّف هؤلاء الكتاب , عاكسة امراضا نفسية واحساسا بالفشل والحسد ممن يطرح افكاره بكل وضوح وجرأة  غير متخف ٍ وراء اسم مستعار أو خائف من سلطة ما  , والا مامعنى ان يأتي معلق ليقول لكاتب ٍ ملأت مقالاته وكتبه الصحف والمواقع والمكتبات  ويعلق باسلوب الناصح والواعظ  بضرورة المزيد من القراءة  وكأنه يتعلم القراءة والكتابة على يديه؟
 احد الكتاب عبر في احدى مقالاته قبل فترة عن ان ايلاف تريد اعطاء القراء مساحة من الحرية للتعبير عن ارائهم مهما كانت , وذلك تعويضا عما يواجهونه او واجهوه سابقا من كبت وقهر خلـّف لهم مشاكل نفسية تجعلهم بالضد غالبا مع مايقال ويكتب ..
لكنني  اقول هل الحرية تعني السماح باهانة  المثقف واهانة  الثقافة التي هي اشد مايحتاجه الانسان العربي , والتي لابد منها للقيام بدور تنويري في زمن هجوم الظلاميين؟ او  على ايد اناس قد يكونون اما مرضى او مشكوك بموقفهم من الكاتب وافكاره , خاصة عندما يتعلق الامر بالموقف من الارهاب او الانفتاح وحقوق المرأة او الموقف من زج الدين بالدولة ؟
الا  تشكل اهانة الكاتب اهانة للموقع الناشر واختيارات الناشرين لهذا الكاتب وثقتهم بامكانياته وطروحاته؟
اضافة لهذا, فان المعلقين يكتبون تعليقاتهم بما ليس له علاقة بالمقال احيانا  , فالمقال  مثلا يتحدث عن الفن كقيمة انسانية  , واذا بتعليق يتهمك بالعمالة الى امريكا , وليس هناك اية علاقة بين الاثنين , انه أمر  مضحك بمحاولته الاساءة . او ان الكاتب  يتحدث عن  شأن من شؤون لبنان  واذا بتعليق يتهمه بنكران اطفال العراق ويطعن بوطنيته  ..     
اتذكر مقولة كانت ترددها أمي دائما حينما يتحدث احد عن اشياء غير مترابطة قائلة " كلمة بحلب وكلمة بشام "
وهكذا هي تعليقات البعض وربما الغالبية من المعلقين مع الاسف , هذا اضافة الى انهم يعلقون دون ان يكونوا ملمين بما كتبنا قبلا , فعندما نكتب مقالا عن شأن ما يطالبوننا بشأن اخر نكون قد كتبنا عنه قبل فترة , ولأنهم غير متابعين يستعجلون الاساءة واطلاق التهم ..
ان الحرية عندما تتجاوز حدود حقوق الآخرين تصبح فوضى وتصبح جريمة منظمة وتعدٍ على الغير, وانني اصر على ان مايحصل في ايلاف من تعليقات يتجاوز حدود الحرية  ويتعدى على حقوق الكتاب ولا ينفع سوى المتصيدين بالماء العكر وامثالهم ممن لاعمل لديهم سوى التسلي بالآخرين , محاولين فيها احباطهم وثنيهم عن الإستمرار في الكتابة التي اصبحت تحديا بحد ذاتها في عالمنا العربي .
وهناك من المعلقين من يسعده ان يجد خطأ مطبعيا او سهوا نحويا لم ينتبه له الكاتب , فكأنه قد اكتشف  جريمة كبيرة يمسكها عليه ليلغيه تماما , ويمنح نفسه الحرية بقول ماشاء من تعليقات معتبرا ان هذا الكاتب صفر ٌ على الشمال,  لانه في مقالة ما رفع منصوبا دون ان ينتبه ,او اخطأ بحرف ما, رغم ان المتتبع لجميع مقالات الكتاب لو شاء على سبيل البحث سيجد العجب العجاب  من الأخطاء التي يقع بها الجميع تقريبا , هذا لا يعني انني ابرر الخطأ لنفسي ولأي كاتب, بل ان الكمال في اللغة احدى طموحاتي , واتمنى ان لا أقع في اي خطأ, فليس الخطأ اللغوي شيمة لأي كاتب , لكن هل هناك من هو معصوم عن الخطأ في ساحة اللغة العربية الواسعة؟
وأسأل المعلقين , لماذا لم يعلقوا على خطأ فاضح يقع به غالبية الكتاب الا وهو تعريف كلمة " غير " فيقولون الغير مسؤول بدلا من الصحيح وهو غير المسؤول , مع ان غير عندما تعرف بأل تصبح بمعنى "الآخرون "  وكذلك استعمال كلمة "متواجد" والتي شاع استعمالها بدلا من موجود وهذا خطأ لغوي آخر, وهناك عشرات الاخطاء التي لو توقفنا عندها لما كتب احد, ولأصبح الخوف من الوقوع بالخطأ سببا لعدم الكتابة, والمشكلة الكبيرة ان التعليقات تستغل لأحقاد شخصية تصب نارها  على هذا الكاتب او الكاتبة  دون سواهم , ولأسباب يعلمها اصحابها وغالبا ماتكون بعيدة كل البعد عن الحرص على اللغة العربية بل لغاية في نفس يعقوب.. والا ماهو موقفهم من بعض الاخوة الذين يكتبون باللهجة المصرية العامية او اية لهجة اخرى , خاصة ان هناك روايات وقصص كثيرة وشهيرة لكتاب مرموقين , مكتوبة باللهجات العربية العديدة , فهل علينا احراق تلك الكتب؟
 من هنا لا اعتقد ان هناك كاتب عربي  يدعي انه لم يخطيء يوما ما خطأ مطبعيا او نحويا بزحمة الكتابة , والعرب يسمون مثل هذه الأخطاء البسيطة لحنا ً باللغة, كما ان كل دارسي اللغة العربية ومهما كانت امكانياتهم هم يخطئون في الحديث والكتابة باللغة الفصحى , لان العربية الفصحى هي ليست لغتنا الأم , انما هي لغة الثقافة التي نتعلمها في المدارس , اي اللغة الثانية لنا , والتي لا نتكلم بها طوال اليوم , فلكل عربي لهجته التي تعلمها كلغة ام من أهله , لذا لا يدعي احد في اي منبر ثقافي انه معصوم عن الخطأ باللغة العربية ذات القواعد الواسعة والمتشعبة والتي تشبه البحر الزاخر بكل ماهو عميق وغامض ومتنوع..

2-1-2008