نافذة

شيوخ التكفير والمفكرون العرب Print


                     شيوخ التكفير والمفكرون العرب

بلقيس حميد حسن

                                                              
.
يكاد ابطال الفتاوى التكفيرية من الشيوخ العرب ان يقفلوا عقول المفكرين والكتاب , بما يطلقونه من فتاوى تتدخل بكل قول وكل جملة تدل على تحرك العقل العربي ومحاولة خروجه من جمود القرون الاولى , والأنكى من ذلك انهم يبيحون لأنفسهم ان يكونوا حماة عن الله ومحامين عنه قانونا  بلا توكيل ولانص قانوني يدعم موقفهم , وقد نسوا ان القوانين الوضعية تطبق الأدلة على اساس الوثائق والمستندات والوقائع التي تعتمد الشهود وليس كما يحلو لهم ان يعتقدوا ويتخيلوا ويحكموا ولمجرد قراءة مقال لكاتب او صحفي او مفكر  ,. كما انهم لم  ينظروا الى ان فعلهم هذا لا يفسر إلا تدخلا بشؤون الله  وهذا كفر مابعده كفر ,فمهما كانوا حريصين على الاسلام لن يكون لهم حق الانابة عن الاله الذي هو خالقهم وخالق عقولهم كما تقول كل النصوص الدينية منذ ان وجدت الاديان على الارض 
ان ما دعاني لكتابة هذا المقال هو برنامج في قناة الحرة الفضائية , يناقش مشكلة تكفير الكاتبين "يوسف ابا الخيل وعبد الله بن بجاد" من قبل الشيخ "عبد الرحمن بن ناصر البراك" الذي اصدر فتوى بتكفيرهما تجيز قتلهما وعدم الصلاة على جثتيهما ودفنهما , وتتخلص افكارهما بعدم تكفير من لايؤمن بالاسلام وعدم اقرار القتل لمن لايحارب الناس ويفرض عليهم الخروج عن الاسلام , ولطالما انه لايؤذي احدا فهو حر في فكره وعلاقته بالخالق في هذا دون سواه..
والقناة قد  استضافت الدكتور الباحث   العراقيفي الشؤون الاسلامية الشيخ  ضياء الشكرجي من هامبورغ   الذي ادان التكفير واعتبره قرارا للقتل  وهو جريمة لايمكن ان تصدر من تعاليم دين الهي, اما أستاذ الازهر من  القاهرة    , فاعتبر تصريح الكاتبين خروجا عن الجماعة وبالتالي لابد من عقوبة ترد به الجماعة عن نفسها , واكد الصحفي الساكن في بيروت على ضرورة حماية حرية الفكر والعقيدة للجميع مادام انهم لم يسلبوا حقا لاحد من الناس, وتناقضت اقوال الصحفي وهو من محرري صحيفة عكاظ الصادرة في السعودية, الذي اعتبر حرية الفكر تهديدا للامن القومي , ولاادري كيف ربط هذا بذاك وماعلاقة المقالين بالوطن والقوم وامنهم, ثم عندما احرج من قبل زميله الصحفي الساكن في بيروت صار يلف ويدور ويتعكز على نظرية المؤامرة الغربية ومايراد بنا كعرب ومسلمين من قبل الغرب  .
 ومن خلال ماطرحه الضيوف يستطيع المرء ان يفهم بان الحرية الفكرية التي يعيشها عرب اوروبا  تؤهلهم للدفاع عن الفكر الانساني بلا خوف ولا مداراة , فهم  اكثر موضوعية بانتقاد سلبيات مجتمعاتنا الغارقة بالجهل والوهم والفهم الخاطيء للدين واهدافه . فالدين- من المفترض -  انه جاء لخدمة الانسان لا لقتله , ولإسعاده لا لتعاسته أو إرهابه , ولا لجعله شخصية ضعيفة لايقوى على القول او التفكير بشيء خوفا من اغضاب  اولي الامر, كما قال الصحفي من عكاظ ,أوخوفا من اتهامه بالخروج على الجماعة كما طرح ذلك استاذ الازهر سابقا , حيث اعتبر المفكرين امثال "عبد الله  بن بجاد" "ويوسف ابا  الخيل" خارجين عن الجماعة, وبهذا يريد الشيوخ سجن العقل العربي بدائرة فكر الزمن الاسلامي فقط  ومن يفكر ويبدع ويتجاوز ذلك الزمن فهو خاطيء  لابد من التوقف عند طروحاته ومفاهيمه.
ان مايحصل في العالم العربي من مخاضات فكرية , مهما كانت سلبياتها ومهما كانت ضحاياها كبيرة ومؤلمة لكنه زمن لابد منه ومرحلة  حتمية لابد للعقل العربي المتحفظ  المرور بها للوصول لمرحلة التفكير بما يتناسب مع الزمن الحالي , العقل العربي الذي لازال يعيش بفكر زمن الأمية ومجتمع  القرن السادس الميلادي بعيدا عن فكر الحضارة الحديثة , العقل العربي المحنط في الماضي السحيق , والرافض للتغيير مع انه يستعمل الكومبيوتر والسيارات والطائرات والاتصالات الحديثة الآتية من الغربيين الذين يعيب عليهم جل ّ أساليب حياتهم , بل يكفرهم ويحتقرهم بذات الوقت الذي يلجأ اليهم من سلطات الدول الاسلامية المرعبة التي تضطهده ..
ان غالبية الشعوب العربية الرازحة تحت نير حكومات دكتاتورية وثيوقراطية مرعبة , لايمكن لمفكريها ان يعبروا بحرية عما يدور في عقولهم ماداموا في كنف حكومات تستعمل الاسلام لتغييب الشعوب عن افعالها, شانهم شأن اي عربي كالصحفي السعودي  الذي يخشى على الصحيفة ان تغلق او استاذ الازهر الذي سيهدر دمه ان لم يدافع عن شيوخ التكفير في المجتمع السعودي او المصري, وسيكون مصيره الموت  مثل فرج فودا وحسين مروة ومهدي العامل  وغيرهم , وفي احسن الاحوال ستـُقيد حريته وحركته ويـُؤذى في حياته ورزقه ومصالحه كما حصل للسيد القمني,  لهذا لا اعتقد ان الاعلام العربي سيكون موفقا للوصول الى حقيقة فكر ساكني البلدان العربية مالم يكونوا قد هجروا بلدانهم ليحصلوا على حرياتهم في الخارج , او يكونوا قد حوصروا وطوردوا ووضعوا اكفانهم على أكفهم بسبب من تحررهم , عندها يستطيعون ان يقولوا افكارهم بكل صراحة وأمانة وثقة, دون تلجلج بين الخوف والموضوعية المنقوصة , كما رأينا ماكان عليه الصحفي السعودي المسكين..
لنرحم هؤلاء لانهم لايملكون السنتهم المصادرة لصالح أولي الأمر والأمن القومي والمؤامرة الغربية التي يزجون بها بكل كبيرة وصغيرة, حتى لو كان الموضوع  بعيدا كل البعد عن الوطن وأمنه ..

18-3-2008