نافذة

بـُـحّ صوتنا والقوم نيام..المرأة والدستور Print

 

بُــحّ  َصوتنا والقوم نيام..المرأة والدستور


 بلقيس حميد حسن

نستغرب- ونحن نرى العالم ينظم حياته بشكل واع وعلمي دقيق في زمن العلوم والتكنلوجيا والثورات المعلوماتية – من أن يخرج مسؤول عراقي ليقول:
لا أحد يستطيع مساواة المرأة بالرجل في الدستور العراقي لانه يخالف نصا قرآنيا !
لا أريد هنا أن أتـناول المسألة من جانب فلسفي أو ديني , فلقد كفانا ما نسمعه ونراه من مدعي الإسلام من محاولة لتسفيه كل الأفكار التي تطرح بشأن تنظيم المجتمع على أسس حديثة تواكب حضارة اليوم , ولأننا لازلنا نعيش بعقليات القرون الوسطى , ولازلنا نرفض حتى مجرد تحريك العقل والنظر لما يحصل حولنا في العالم من تطور واستقرار وسعادة تعيشها شعوب أخرى, أقول لنعود لما قاله نبي هذه الأمة حاثا على العلم وطلبه "اطلب العلم ولو في الصين "
لنناقش هذه الحديث ولنرى ما قصده الرسول من علم , هل هو يعني فقط علوم الفيزياء والكيمياء وعلم الحيوان والنبات وغيرها من العلوم أم يعني العلوم الاجتماعية وتجارب الشعوب وكيفية عيشها والأخذ بها والتعلم منها , لأن العلم كما ذكره الرسول بحديثه هو علم مطلق مفتوح على كل أنواع العلوم , ولا اعتقد أن أحدا يدعي القليل من المنطق والمعرفة سيخالفني الرأي , لأن النبي في ذاك الحديث أراد لنا أن نكون من أحسن الأمم ولنستفيد من علوم سوانا بكل المجالات .
كثيرا ما يردد بعضنا أن الحضارة الغربية مأخوذة منا , وأنهم استفادوا من خبرتنا وفلسفتنا وعلومنا , ويبدأ بإطراء عظمة تأريخنا العربي الزاهي بالعلوم والفنون والحضارة قديما , ولنسلم بأن كل هذا كان حقيقة مهما كانت المبالغة به , فهل أن هناك نصا قرآنيا يمنع الناس من الاستفادة من علوم بعضها ومن أساليب تنظيم حياتهم ؟
وبالطبع سيكون الجواب لا يوجد نص بأي كتاب مقدس يمنع من نشر العلوم والفضائل بين البشر ,إذن لماذا نمنع أنفسنا الاستفادة من تجارب الشعوب التي تحضرت اليوم ؟ وكما استفادت هي من تجاربنا حينما كان عصرنا ذهبيا وكنا قبلة العالم , لنستفيد نحن منهم وندرس حاجات مجتمعنا بما يجعلنا نضع الإصبع على جرحنا وإيجاد الحلول االناجعة لمشاكلنا ؟
حينما بدأت الدعوة الإسلامية لم يكن هناك سلاح فتاك , ولم يكن هناك تصور إمكانية أن ستخلف الحروب بأسلحتها الفتاكة وطول مداها ما خلفته حروب وجرائم صدام في بلد كالعراق صار نصفه من الأيتام والأرامل والمعاقين , فهل يوجد بتاريخ البشر بلدا فيه خمس ملايين يتيم والعدد يتزايد يوميا ؟ واكثر من نصف نساء العراق هن من الثكالى , ثكلن بفلذات أكبادهن سنين البعث ومخلفاته إلى اليوم, ولدينا اكثر من مليوني معاق ومليوني أرملة ومليوني مطلقة وملايين المرضى وهذه لا تقتصر على فئة أو منطقة أو طائفة أو قومية بل هي تشمل كل مكونات الشعب العراقي من شمال العراق حتى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ؟
وهل هناك من ينكر أن المرأة تتحمل العبء الأكبر في الاهتمام بهؤلاء جميعا إلا ما هو استثناء؟ فحين يكون بالمنزل معاقا أو يتيما تكون المرأة هي أول المهتمين به والمعيلين لحاجاته . فهل ستكون الإرادة الإلهية عائقا أمام تعويض فاقد حقه غصبا أو عدالة اجتماعية تعيد للمجتمع توازنه وعافيته لينتعش؟
فليتفكر المشرع العراقي وليتقي الله بأعداد الضعفاء الذين يحتاجون المرأة لأعالتهم وحمل همومهم , أنها تجربة استثنائية وكارثة بشرية مروعة , فالزلزال الذي سببه بعث العراق بشعبنا ووطنا اكبر من كل زلازل الأرض وابشعها , والحصيلة واضحة لا ريب ولا غبار عليها , ولو أن النبي يرى اليوم ما نحن به لخاطب ربه وانزل آية تعطي النساء حقوقا اكثر من الرجل , لان الله مع الضعفاء والمحتاجين ومع أهل الرحمة ومن يحمل هموم الأبرياء والضحايا , فالرحمة بمجتمعنا أيها المشرع العراقي .. فحين جاء النبي بدعوته لتغيير واقع المجتمع إذ ذاك؟, لم يكن فيه ما في مجتمعنا اليوم من فواجع نسائية فالمؤودة التي تحدث عنها القرآن وفرض تحريم وأدها نجدها كل يوم توأد في واقعنا العراقي بأشكال وصور أخرى عديدة.
أين رجال الدين من كل هذا وأين اجتهاداتهم التي اقتصرت على فتاوى القتل والتكفير , أن مجتمعنا العراقي مختلف عن كل المجتمعات , مجتمعا يحتاج إلى تشريع خاص به يتناسب مع حاجاته المتميزة والفريدة عن الشعوب الأخرى , مجتمعا يحتاج دراسات علمية اجتماعية ونفسية لنستطيع أن نداويه , مجتمعا مليئا بالعلل والقهر والعنف والفقر والخراب .
عن أي نصوص مقدسة تتحدثون؟ وقد عاملتم السارق برحمة اكبر وخالفتم النص القرآني القائل " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء لما فعلا ...الخ الآية " و اقتصرتم احترام النصوص القرآنية فقط على المرأة لتظلموا أمهاتكم وزوجاتكم وأخواتكم وبناتكم ولتظلموا من ورائهم كل إنسان ضعيف يحتاج لحماية منهن ورعاية لما عرفته المرأة من رقة قلب ورحمة وإنسانية لا تعادلها ما لدى الرجل إلا استثناء والاستثناء ليس قياس؟؟
من سيجيب على تساؤلاتنا من المشرعين العراقيين الذين يتحدثون عن الديمقراطية ليل نهار ؟ ومن سينصف المجتمع العراقي بكل فئاته وشرائحه المقهورة بإنصاف المرأة , التي هي اليوم بلا شك أم المجتمع وأكثريته المطلقة؟

8-2005