نافذة

المرأة في العراق عورة ! Print

     المرأة في العراق عورة !

بلقيس حميد حسن

كل يوم, يحاول اليأس التسرب إلى أرواح الكثير من مثقفي العراق , الحالمين بعراق ديمقراطي, عراق يعرف معنى حقوق الإنسان ويحترم خياراته, ولكن.... الفواجع تـتـرى علينا وها اسمعها على شاشات التلفزيون في إحدى الفضائيات العربية, حيث سأل مقدم البرنامج جمهور الناس من العرب :
هل تتفق مع ظهور المرأة المحجبة في الفيديو كليب ؟
وبين معارض وموافق تفاوتت آراء المتصلين من البلدان العربية , لكن الذي أفزعني كان اتصال رجل عراقي قال بعصبية: أن المرأة عورة, فلا يجوز أن تخرج على شاشات التلفزيون إن كانت محجبة أو غير محجبة ....
ولن أضع عنوان مقالتي هذا لان رجلا عراقيا قال ذلك , فلا يقاس المجتمع بقول رجل أو ألف , إنما ما يحصل للنساء يوميا في شوارع العراق ومدنه هو المقياس , فتصرفات الشارع إزاء المرأة يعكس وبشكل واضح مفهوم متخلف ونظرة دونية للمرأة وكأن السائد الاجتماعي فيه يقول: أن المرأة عورة, ولا من يحرك ساكنا إزاء هذا الوضع حتى من قبل النساء البرلمانيات اللواتي من الأجدر بهن قلب الموازين وإحداث ثورة فكرية لإنهاض المجتمع والوقوف مع نصفه المقهور والمستلب إرادته بشكل فعلي, خاصة ونحن مقبلين على كتابة دستور جديد للبلاد .
هكذا تحول فزعي إلى ألم حين قالت إحدى معارفي يوم أمس وهي من مدينة الديوانية, ولم تكن ترتدي الحجاب سابقا , بأنها ألان محجبة و"الحر قاتل" ثم أردفت قائلة أن المرأة إن سارت في الشارع بلا حجاب فلسوف يسكبون عليها البنزين ويلاحقونها بزفة صارخين ورائها بكلمات نابية لا يمكنني قولها أبدا. أنها فاجعة أخرى أن تسير امرأة أخرى وهي محجبة في منطقة الثورة في بغداد ليصرخ وراءها رجل آخر بلهجة آمرة متسلطة وهو الغريب إذ رأى بعض شعيرات تخرج من تحت حجابها , وكأنها مذنبة ومستباحة للإهانة من أي رجل:
"يا مرة غطي شعرك زين"
هذا إضافة إلى ما يصلنا من شكاوى النساء من ديانات أخرى واللواتي اجبرن على الحجاب قسرا أمام ما يتعرضن له من ضغوط واعتداءات يومية , فأي احترام للإنسان وحريته الشخصية ؟. وأي مجتمع نريد بناءه على أساس إكراه الناس على ما لا يؤمنون, وأي دين يقبل بهذا؟
كل هذا ولا نسمع أي تصحيح لا من رجالات الحكومة ولا من رجال الدين عن ما يمارس اليوم من قبل البعض من إكراه للنساء بارتداء الحجاب, حتى غير المسلمات منهن ولم نسمع من يتحدث عن أن الإيغال بالدين تشويها له وتصعيبا للناس.
الدين الإسلامي هو دين السماحة واليسر, فهل أن بعض البرلمانيات اللواتي يخرجن بقفازات سود على شاشات الفضائيات لابد وأن يـُقلـَدن من قبل نساء العراق ؟ وهل يجب على العراقية أن تحتمل حجابا يجعلها تفور وتغلي من الضيق والعصبية في حر العراق اللاهب ؟ أم أن الأغنياء يمتلكون أجهزة تكييف وإمكانات فلا يشعرون بما تعانيه الفقيرات ؟
وهنا أود توضيح الموقف كي لا يقرأه البعض على انه مطالبة بإلغاء الحجاب لمن تريد ارتداءه , إنما ترك الحرية والخيار للمرأة وحسب قناعاتها, وهذا جزء من الديمقراطية التي نتحدث بها جميعنا, من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين, مع أن الديمقراطية هذه التي نقولها لا يمكنها أن تكون في ظل تعرض الأغلبية - وهن النساء - إلى مصادرة حقوقهن الشخصية,ولا يمكننا أن نبني مجتمعا لا تكون المرأة به سعيدة , فهل أن أهم شيء في الدين الحنيف هو حجاب المرأة؟ من هنا لابد للحكومة العراقية , كما هي تعمل اليوم على محاولة إشراك كل القوميات والطوائف العراقية بكتابة الدستور أن تعمل على :
1- إشراك عدد من النساء المتخصصات بدراسة القانون وحقوق الإنسان بكتابته, نساء يشهد لهن بالتأريخ النضالي العريق في مجال حقوق المرأة , كذلك إشراك نساء من الديانات المتعايشة مع المسلمين عبر التأريخ كالمندائية والمسيحية وهذه أول خطوة من معرفة النوايا بديمقراطية حقيقية, وعدالة اجتماعية تقود المجتمع إلى البناء والحضارة .
2- و كما تضع الحكومة اليوم خططا عسكرية وأمنية لمحاربة الإرهاب والجريمة, عليها أن تكون فرقا وألوية للوقوف ضد الإكراه وانتهاك حق الاختيار الذي تتعرض له النساء لحمايتهن من اعتداءات الدهماء الذين يعتبرون المرأة السافرة مباحة للاختطاف والقتل ولشتى المضايقات, ولابد من ضبط الشارع العراقي قبل أن يتفاقم الوضع وننحدر إلى مستوى أحط من أفغانستان طلبان.
3- إعطاء الأعلام دورا نفتقده اليوم ونراه يصمت أمام كل هذه الممارسات اليومية ضد المرأة, لسيطرة الظلاميين على الشارع ومجاراة الإعلام لهم , وكما تعمل القنوات الفضائية على إشاعة الحب والتسامح بين القوميات والطوائف , وهذا توجه وطني وأنساني عظيم, عليها أيضا أن تطرح برامج تثقيف وتوعية لدور المرأة وحقوقها, لاكما يحصل ألان ونحن نتابع على القنوات الفضائية المسلسلات العراقية التي تصور المرأة شرا و قسوة على الضعاف والمقهورين وكأنها سبب كل المصائب , حتى ليخشى من إقصاء للمرأة في الدستور المقبل وإبقاءها على وضع لا تحسد عليه أبدا.
أخيرا لابد من إعطاء النساء العراقيات قدوة حضارية من قياديات هذا المجتمع أي النساء المساهمات بالحكومة, قدوة تتماشى مع حضارات شعوب اليوم, لأننا جزء من هذا العالم الواحد الذي يقترب من بعضه بالثورات العلمية يوما بعد آخر حتى غدا قرية صغيرة, وإلا سنكون نشازا حينما نتمسك بتقاليد وقوانين القرون السالفة, فالحضارة تعني كل ما يمارسه الإنسان من مسلك وملبس وتفكير, ولا يجوز فصل شيء عن آخر, والملبس أول ما تقع عليه العين لإعطاء نظرة عن الشخص شئنا أم أبينا ومن ثم عن المجتمع , لذا لابد لنا من وقفة أمام هذا المشهد الاجتماعي اللا حضاري الذي يعيشه مجتمعنا وإلا ستسحقنا الحضارات السائرة إلى الأمام لنبقى نراوح بمكاننا, ولن يشفع لنا قولنا نحن أولى الحضارات- التي تكونت قبل الأديان السماوية بالطبع- بينما نبقى حينما نستشهد بما قاله رجال النهضة العربية عن المرأة والحجاب قبل قرن من الزمان طالبين إنصافها, نجد من يعتبر أفكارهم كفرا لنبقى نتجرع مرارة قول أحدنا يوما:
"يا أمة ضحكت من جهلها الأمم".......

.5-2005